الأربعاء، ٢٥ أغسطس ٢٠١٠

عبد الرحمن الرافعي ..8 فبراير 1889 - 3 من ديسمبر 1966



عبد الرحمن الرافعي

عبد الرحمن الرافعي (8 فبراير 1889 - 3 من ديسمبر 1966) مؤرخ مصري.

ينتمي عبد الرحمن الرافعي إلى أسرة كريمة ترجع بأصولها إلى الخليفة العادل عمر بن الخطاب، وقد هاجر أجداده الأقربون من الشام إلى مصر في السنوات الأولى من حكم محمد علي، واشتغل معظم أفراد هذه الأسرة بالعلم والقضاء.

وسط هذا الجو ولد عبد الرحمن الرافعي في حي الخليفة بالقاهرة في (7 جمادى الآخرة 1306هـ=8 فبراير 1889م)، ونشأ في كنف والده الشيخ عبد اللطيف بن مصطفى بن عبد القادر الرافعي الذي كان يعمل في سلك الفتيا والقضاء بعد تخرجه في الأزهر. وعبد الرحمن الرافعي الثالث بين إخوة أربعة أشقاء، لمع منهم "أمين الرافعي" أحد نوابغ الصحفيين في الثلث الأول من القرن العشرين، وتوفي شابا سنة (1346هـ=1927م) بعد حياة مليئة بمواقف الثبات والصمود والوقوف إلى الحق مهما كان الثمن.

تلقى عبد الرحمن الرافعي تعليمه في المدارس الحكومية، حيث دخل مدرسة الزقازيق الابتدائية سنة (1313هـ=1895م)، فمدرسة القرابية الابتدائية بالقاهرة، ثم مدرسة رأس التين الابتدائية سنة (1316هـ=1898م) عندما انتقل والده إلى الإسكندرية حيث عمل مفتيا للمدينة، وفي هذه المدينة أمضى الرافعي سني الدراسة حتى أنهى المرحلة الثانوية سنة (1322هـ=1904م).

انتقلت الأسرة إلى القاهرة والتحق الرافعي بمدرسة الحقوق، وكانت الحركة الوطنية تشهد نموا واضحا على يد مصطفى كامل، فتأثر بأفكارها، فانضم إلى الحزب الوطني بمجرد إنشائه، وسنة (1326هـ=1908م) أنهى الرافعي دراسة الحقوق.


علميا

اتجه الرافعي عقب تخرجه في مدرسة الحقوق إلى العمل بالمحاماة، وتدرب في مكتب محمد علي علوبة بأسيوط فترة قليلة لم تتجاوز شهرا واحدا، لبى بعدها دعوة محمد فريد للعمل محررا بجريدة اللواء لسان حال الحزب الوطني، حيث بدأت معها حياته الصحفية وصلته الوثيقة بمحمد فريد التي لم تنقطع حتى رحل الزعيم الكبير عن الدنيا في سنة (1338هـ=1919م).

لم يستمر عمل الرافعي بالصحافة طويلا فعاد إلى المحاماة، وشارك أحد زملائه في فتح مكتب للمحاماة بالزقازيق سنة (1328هـ=1910م)، ثم افتتحا مكتبا آخر بمدينة المنصورة، وظل مقيما بالمنصورة حتى سنة (1351هـ=1932م) حين استقر به المقام بالقاهرة.

وفي أثناء إقامته بالمنصورة شغل أوقات فراغه بالتأليف، فأخرج كتابه الأول المسمى "حقوق الشعب" سنة (1331هـ=1912م) وكان هدف الرافعي من تأليفه على حد قوله "التباحث في حقوق الشعب والنظريات الدستورية ونظام الحكومات الصالحة، وكيف تصل الأمم إلى استرداد حقوقها، وكيف تضمن تمتعها بها"، ثم أعقبه سنة (1333هـ=1914م) بكتابه الثاني "نقابات التعاون الزراعية" بهدف تنشيط الحركة التعاونية في مصر. ولم يكتف بذلك بل أسس سنة (1338هـ=1919م) مع مجموعة من أصدقائه جمعية لنشر جمعيات التعاون الزراعية في قرى الدقهلية مساعدة للفلاح المطحون.

مجاهدا

وعندما شبت ثورة 1919 شارك فيها الرافعي بجهد كبير تجاوز حدود "المنصورة" وتعداها إلى القاهرة، ولم يتوقف عند العمل السياسي المناهض للاحتلال بل تخطى ذلك إلى الجهاد بالسلاح. ويذكر مصطفى أمين أن الرافعي كان عضوا مهما في الجهاز السري للثورة، وإن لم يذكر ذلك الرافعي في مذكراته، وليس فيما يقوله "مصطفى أمين" عن الرافعي غرابة في اشتراكه في المجلس الأعلى للاغتيالات؛ لأن الرافعي نادى في أول مقالة له نشرت باللواء بوجوب تكوين الجمعيات السرية والعلنية لحماية الشعور الوطني من العبث والتبدد، ودعا إلى استخدام القوة التي تجبر الاحتلال على مغادرة البلاد.

اشترك الرافعي في أول انتخابات أجريت حسب دستور 1923م، حيث رشح نفسه في انتخابات مجلس النواب عن دائرة مركز المنصورة، وفاز أمام مرشح حزب الوفد، وشكل مع من قدر لهم الفوز من أعضاء الحزب الوطني المعارضة في مجلس النواب، وتولى رئاسة المعارضة بمجلس النواب على هدي مبادئ الحزب الوطني.

غير أن هذا المجلس لم تطل به حياة بعد استقالة سعد زغلول من رئاسة الحكومة، ثم عاد الرافعي إلى المجلس مرة أخرى بعد الانتخابات التي أجريت في سنة (1344هـ=1925م)، ولم يكد المجلس الجديد يجتمع في يوم (28 شعبان 1343هـ=23 مارس 1925م) حتى حُلّ في اليوم نفسه، وظلت الحياة النيابية معطلة بعد هذا الحل نحو 8 أشهر، حتى اجتمع المجلس النيابي من تلقاء نفسه في (5 جمادى الأولى 1344هـ=21 نوفمبر 1925م)، واتفقت الأحزاب على توزيع الدوائر الانتخابية فيما بينها، ولم يخصص للرافعي دائرته السابقة، وأصر حزب الوفد على أن تكون دائرة مركز المنصورة من الدوائر التي يسمح فيها بالمنافسة بين الوفد والحزب الوطني، ونتيجة لذلك انسحب الرافعي من الترشح لمجلس النواب.

وظل الرافعي بعيدا عن الحياة النيابية قرابة 14 عاما، عاد بعدها نائبا في مجلس الشيوخ بالتزكية، وبقي فيه حتى انتهت عضويته به سنة (1371هـ=1951م).

وخلال هذه الفترة تولى وزارة التموين في حكومة حسين سري الائتلافية سنة (1369هـ= 1949م). وقد أثار توليه الوزارة لغطا شديدا حيث إنه فعل ما كان يدين به غيره، فقد تزعم يوما الجبهة المعارضة في الحزب الوطني ضد رئيسه حافظ رمضان عندما قبل الاشتراك في الوزارة سنة (1356هـ=1937م)، باعتبار أن ذلك لا يتفق مع مبادئ الحزب الوطني التي لا تقبل الوزارة في ظل وجود الاحتلال الذي يمسك بمقدرات الحياة في مصر، غير أن الرافعي برر دخوله الوزارة برغبته في كشف الأساليب الاستغلالية التي كانت تمارسها شركة السكر وأصحاب شركات الغزل والنسيج. وعلى أية حال فلم يمكث في الوزارة سوى أشهر قليلة.

وبعد قيام ثورة 1952م أحسن الرافعي الظن بالنظام الجديد الذي قربه منه وأولاه عنايته فأشركه في إعداد الدستور الذي فكر في إخراجه سنة (1373هـ=1953م)، كما تم تعيينه نقيبا للمحامين سنة (1374هـ=1954م) بعد قرار الحكومة بحل نقابة المحامين التي اجتمعت جمعيتها العمومية في (21 من رجب 1373هـ= 26 من مارس 1954م)، وقررت مطالبة حكومة الثورة بعودة الجيش إلى ثكناته وترك السياسة للسياسيين، ولقي الرافعي انتقادا شديدا لقبوله منصب النقيب والتصاقه بالسلطة.

سياسيا

لم ينس الرافعي في كل أدواره السياسية التي مر بها أنه صاحب قلم وفكر؛ فملأ أعمدة الصحف بمقالاته التي توضح موقفه من كثير من القضايا المطروحة، وكانت قضية الاحتلال من أهم القضايا التي تعرض لها، وكان يدعو علنا إلى استخدام القوة في مقاومة المحتل.

وكان يبدي تحفظا على فكرة الدعوة لقضية مصر في الخارج، وكانت دعوته ألا تُمنِّي الأمم المهضومة الحقوق نفسها بالآمال الكبيرة إذا هي استنجدت بالعالم المتمدن، وأسمعته صوت احتجاجها ودعته إلى التدخل بينها وبين غاصبها؛ لأن الدول الآن لم تعد تصغي لصوت الضمير ولا لصوت الحق والواجب، ودائما تنظر إلى مصالحها وتسير وراءها في سياستها.

ودافع الرافعي عن الدولة العثمانية صاحبة السيادة على مصر، وأيد وجهه نظر حزبه في تعضيد فكرة الجامعة الإسلامية والدعوة لها والالتفاف حولها، ولم يقف عند تأييد الدولة العثمانية بالقول بل تبعه بالعمل، فعندما نشبت الحرب الطرابلسية بين الدولة العثمانية وإيطاليا سنة (1329هـ=1911م)، وانتهت بوقوع ليبيا في قبضة الاحتلال الإيطالي، قام الرافعي مع رجال حزبه بجمع التبرعات لتدعيم قوة الدولة العثمانية والدعوة على صفحات الجرائد للتطوع إلى جانب إخوانهم في طرابلس، وعندما سقطت الخلافة العثمانية عل يد أتاتورك كان الرافعي واحدا ممن اشترك في اللجان التي قامت لإحياء الخلافة الإسلامية.

اشترك الرافعي في ثورة 1919 وعدها أعظم الحوادث شأنا في تاريخ مصر الحديث وأبعدها أثرا في حياة البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهاجم أسلوب المفاوضات مع المحتل الإنجليزي، وأنه لا استقلال مع وجود قوات أجنبية على أرض مصر، ونادى بالمقاومة وعارض معاهدة 1936 التي أبرمتها الحكومة المصرية مع إنجلترا، وقال بأنها تسجل الحماية البريطانية على مصر وتقرر الاحتلال وتجعله مشروعا، فضلا عن أنها تضع على عاتق مصر من التكاليف والأعباء المالية لتحقيق أغراض إنجلترا الحربية ما تنوء به مواردها، ورفض أن تدخل مصر الحرب العالمية الثانية وأن تحتفظ بجيشها وقواها المالية والمعنوية للدفاع عن استقلالها وكيانها ومصالحها القومية.

ويذكر للرافعي أنه كان أحد الموقعين على المذكرة التي قدمتها المعارضة إلى الملك فاروق وأدانت مسلك بعض رجال الحاشية الملكية الذين كان يحقق معهم في مسألة الأسلحة الفاسدة، وأوضحت أن الحكم أصبح لا يحترم الدستور، وأن النظام النيابي أضحى حبرا على ورق، وأن سمعة الحكم المصري في الخارج أصبحت مضغة في الأفواه، وأنه يجب تصحيح الأوضاع الدستورية وأن تعاد الأمور إلى نصابها.

وشغلت قضية وحدة وادي النيل فكر الرافعي، وكان يرى أن السودان جزء من مصر وأنها بالنسبة لها مثل الإسكندرية أو قنا لا يمكن فصل أي منها عن مصر، وأن قضية السودان أجدر من مسألة فلسطين بجهودنا، وأن مصر شغلت عن قضية السودان الحيوية بقضية فلسطين وهو ما استغلته السياسة الاستعمارية لتنفيذ برامجها الانفصالية عن السودان.

وعلى غير ما ظل الرافعي ينادي به. جاءت حكومة الثورة فوقعت مع إنجلترا اتفاقية تقرير مصير السودان في سنة 1373 هـ=1953م.

مؤرخا

على الرغم من النشاط المتعدد الذي بذله الرافعى في الحركة الوطنية فإنه لم ينل شهرته إلا بسبب كتاباته التاريخية التي لقيت إقبالا على الاطلاع عليها، وأسهمت في تشكيل العقلية التاريخية لأجيال من الشباب والقراء، وكان لسمعة الرجل النظيفة وطهارة يده وإخلاصه السياسي أثر كبير في ذيوع مؤلفاته وانتشارها بين قطاعات عريضة من الشباب.

وقد بدأ الرافعي تأليف سلسلة كتبه التاريخية بعد أن انسحب من الترشيح لعضوية البرلمان، ونشأ عن ذلك فسحة كبيرة من الوقت استثمرها في كتابة التاريخ فأخرج الجزأين الأول والثاني من كتابه "تاريخ الحركة الوطنية وتطور نظام الحكم في مصر" سنة (1348هـ= 1929م)، وأعقبه في السنة التالية بكتابه "عصر محمد علي"، ثم أخرج سنة (1351هـ=1932م) كتابا في جزأين بعنوان "عصر إسماعيل".

وبعد 5 سنوات أصدر كتابه "الثورة العرابية والاحتلال الإنجليزي"، أعقبه سنة (1358هـ=1939م) بكتابه "مصطفى كامل باعث الحركة الوطنية" استعرض فيه تاريخ مصر القومي من سنة (1310هـ=1892م) إلى سنة (1326هـ=1908م) من خلال تاريخ كفاح مصطفى كامل، ثم أخرج بعد ذلك كتابه "محمد فريد رمز الإخلاص والتضحية" استعرض فيه تاريخ مصر من سنة (1326هـ=1908م) حتى سنة (1338هـ=1919م)، ثم أصدر سنة (1361هـ=1942م) كتابه "مصر والسودان" في أوائل عهد الاحتلال، تناول فيه تاريخ مصر بين سنتي (1300هـ=1882م) و(1310هـ=1892م) وهي السنوات الأولى للاحتلال البريطاني.

وفي سنة (1366هـ= 1346م) أصدر الرافعي في جزأين كتابا بعنوان "ثورة سنة 1919" تناول فيه تاريخ مصر القومي منذ سنة (1333هـ=1914م) حتى سنة (1340هـ=1921م)، وتلاه بكتابه الكبير "في أعقاب الثورة المصرية" وصدر في 3 أجزاء بين عامي (1367هـ-1371هـ= 1947-1951م) عرض لتاريخ مصر من (سنة 1340 هـ=1921م) حتى سنة (1371 هـ=1951م).

وبعد قيام ثورة 1952 أصدر في سنة 1377 هـ=1957م كتابا بعنوان مقدمات ثورة 23 يوليو 1952م تلاه بكتابه ثورة 23 يوليو 1952 عرض فيه لسبع سنوات من عمر مصر بين عامي 1952–1957م.

وله بالإضافة إلى ذلك عدة كتب، منها "مذكراتي"، "والزعيم الثائر أحمد عرابي"، و"شعراء الوطنية"، و"أربعة عشر عاما في البرلمان".

ولم تسلم كتب الرافعى التاريخية من النقد والاتهام بعدم الالتزام بالمنهج التاريخي الصارم، وانحيازه للحزب الوطني الذي ينتمي له، وتأريخه للأحداث من خلال هذه النظرية الحزبية، وتعاطفه الشديد مع مصطفى كامل، وإسباغه عليه كل مظاهر النبوغ والعبقرية والبراءة من كل سوء، وكذلك فعل مع محمد فريد، وإدانته الشديدة لأحمد عرابي ورفاقه، واتهامه للثورة العرابية بأنها سبب كل بلاء، وأنها كانت وراء الاحتلال البريطاني، وهجومه على حزب الوفد وإنكاره عليه إجراء مفاوضات مع بريطانيا؛ لأن أحد مبادئ الحزب الوطني الراسخة كانت لا مفاوضة إلا بعد الجلاء.

وعلى الرغم من ذلك فإنه لم تحظ كتب تتناول تاريخ مصر الحديث بالذيوع والانتشار مثلما حظيت كتب الرافعى، في الوقت الذي لم تكن فيه الساحة خالية للرافعي وحده بل كانت زاخرة بأساتذته التاريخ العظام من أمثال محمد شفيق غربال، ومحمد صبري السربوني، ومحمد فؤاد شكري، وأحمد عزت عبد الكريم، ولم يكن صاحب سلطان حتى يفرض كتبه على الساحة الثقافية في مصر.

وقد قدمت مؤلفاته المعرفة التاريخية لأجيال من المصريين، وبقيت مرجعا مهما لكل من يرغب في معرفة تاريخ مصر في العصر الحديث على الرغم مما وجه إليها من انتقادات.

ختاما

نال الرافعي تقدير حكومة ثورة يوليو واحترامها، واعتبر اللواء محمد نجيب قائد الثورة كتب الرافعي الأساس للحركة التي قام بها الجيش وأنها ذخيرة وطنية للأمة، وقد منحته الدولة سنة (1381هـ=1961م) جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية.

وقد شهدت الفترات الأخيرة من حياة الرافعي تقاربا مع حكومة 1952م وتعاونا معها ودعمه لنظمها عبر ما كان يكتبه من مقالات في الصحف،. وقد سجل في كتابه "ثورة 23 يوليو" 7 سنوات من عمر مصر،.

وفي أخريات عمره دهمه المرض، وظل يعاني منه نحو عامين حتى لقي ربه في (19 من شعبان 1386 هـ=3 من ديسمبر 1966م).

أهم المصادر

أنور الجندي – تراجم الأعلام المعاصرين في العالم الإسلامي – مكتبة الأنجلو المصرية – القاهرة 1970م.

حمادة محمود أحمد إسماعيل – صناعة تاريخ مصر الحديث – دراسته في فكر عبد الرحمن الرافعي – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة – 1987م.

عبد المنعم إبراهيم الدسوقي الجميعي- منهج البحث التاريخي دراسات وبحوث – القاهرة – 1412هـ=1992م.

يوسف أسعد الداغر – مصادر الدراسة الأدبية – منشورات الجمعية اللبنانية – بيروت – 1972م.

بهاء الدين علوان – عبد الرحمن الرافعى، مؤرخ مصر الحديثة – صحيفة القاهرة – العدد 83 – نوفمبر 2001م.