الخميس، ٣٠ سبتمبر ٢٠١٠

العرب قديما

الممالك العربية القديمة. كان العرب قبل الإسلام على قسمين بدو وحضر. وعاش البدو في نظام الوحدة الصغيرة التي يربط بينها الدم والعصبية وهي القبيلة. واستطاع الحضر أن يكونوا ممالك لها ملوك ونظم سياسية، وتباينت هذه المملكة من حيث القوة والضعف.
خضعت القبيلة العربية لنظام صارم فرضته التقاليد والعرف، وصعب لذلك أن يتم بالبادية ارتباط يجمع بين عدد من القبائل لتكوين ممالك. وكانت القبيلة الواحدة معرضة للانقسام، بطوناً، كلما كبرت. فالاتجاه في البادية كان للانقسام وليس التجمع. انظر: القبيلة. ورغم ذلك قامت مملكة وحيدة قصيرة العمر في وسط الجزيرة العربية بين الحكم القبلي هي مملكة كندة (480 – 529م). واستطاع اللخميون ملوك الحيرة دحر ملوك كندة، وعادة الحياة القبلية إلى المنطقة ثانية. وينسب امرؤ القيس أحد شعراء المعلقات إلى ملوك كندة، وقد حاول امرؤ القيس أن يعيد مجد آبائه، ولكنه أخفق في محاولته.
تركزت مناطق الحضر في الجزيرة العربية قبل الإسلام في ثلاث مناطق مهمة هي: اليمن حيث قامت ممالك سبأ ومعين وحمير؛ شمال الجزيرة العربية حيث قامت ممالك الأنباط وتدمر والحيرة وغسان؛ الحجاز.
مملكة سبأ (950 – 115 ق.م). يرى كثير من الباحثين في تاريخ اليمن القديم أن مملكة سبأ التي ظهرت جنوب غربي شبه جزيرة العرب، هي أقدم الممالك التي عرفها تاريخ المنطقة. ومن المرجح أن استقرارهم هناك بدأ في القرن الثالث عشر قبل الميلاد.
عرف السبئيون الزراعة، ولكن لايعرف بالضبط متى بدأوا يمارسون ذلك النشاط، ولكن يبدو أن المنطقة كانت أكثر أمطارًا مما هي عليه الآن، فرأى السبئيون استغلال تلك المياه في الزراعة. وساعدتهم الزراعة على أن يحيوا حياة مستقرة، أدت إلى أن يخطوا خطوات كبيرة نحو التقدم والمدنية. وتطور نظام الحكم لدى السبئيين، وبعد أن كانوا قبيلة عرفت النظام القبلي تدرجت في الأمر، وأصبح حكامها يدعون بالمكرِّبين. ويرى الدارسون أن لفظ مكرِّب ومعناها مقرِّب ويقصد به مقدم القربان إلى الله. ومن المعروف أن لغة حمير كانت تنطق القاف كافا. وكان هؤلاء المكرِّبون يجمعون بين السلطة السياسية والدينية. أما إلههم الذي كانوا يعبدونه، فقد كان يدعى ألمقة. وكانوا يقدمون إليه النذر والبخور، وبنوا له المعابد.
اتخذ السبئيون في أول أمرهم صَرْواح عاصمة لهم، ثم مالبثوا أن نقلوا عاصمتهم إلى مأرب، وقد أصبحت مركزا تجاريًا مهمًا. واعتمدت حضارة السبئيين إلى حد كبير على تجارة القوافل البرية، التي كانت تنقل البخور واللبان والعطور من حضرموت شرقًا إلى مأرب غربًا، ومن هناك كانت القوافل تسير شمالاً إلى المناطق العربية القريبة من البحر الأبيض المتوسط، ثم كانت تنقل هذه السلع إلى البلاد التي تحيط بذلك البحر. وكان هؤلاء الناس يقبلون على الحصول على تلك العطور والبخور واللبان، مما جعل بعض المؤرخين اليونانيين يكتبون عن غنى أهل سبأ ورواج تجارتهم. وكانت هناك صلات قوية أقامتها سبأ بين شبه الجزيرة العربية ومراكز الشرق الأوسط الثقافية الأخرى، مثل مصر وبلاد مابين النهرين وفارس.
اشتهرت سبأ بين الأمم القديمة، وقد جاء ذكرها في التوراة، كما جاء في بعض النقوش التي خلفها الملك سرجون ملك آشور (720-705 ق.م) أن مملكة سبأ قدمت له هدية من الذهب واللآلئ والبخور والأعشاب. ويرى بعض الباحثين أنه قد تكون تلك الأشياء من قبيل الهدية، وليست من قبيل الإتاوة أو الضرائب التي فرضها الملك الآشوري على حكام سبأ.
وذكر القرآن الكريم قصة سبأ في أكثر من موضع، فحكى ما كانوا فيه من النعيم، إذ كانوا في أخصب البلاد وأطيبها وذكر سد مأرب الذي أقامته ملكتهم بلقيس، ولكنهم بطروا وكفروا النعمة وطغوا وكانوا مجوسًا يعبدون الشمس فأرسل الله لهم الرسل فلم يهتدوا، فأرسل عليهم سيل العرم، فهدم السد وشرّدهم جزاءً بما كانوا يعملون. يقول الله تعالى: ﴿ لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من زرق ربكم وأشكروا له بلدة طيبة وربٌّ غفور ¦ فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكُل خمط وأثل وشيءٍ من سدر قليل ¦ ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور ﴾ سبأ: 15 – 17.
وكذلك وردت في القرآن قصتهم وقصة ملكتهم بلقيس مع سليمان عليه السلام في سورة النمل.
وكان العرب يضربون الأمثال في أشعارهم بمملكة سبأ وسدّها يقول أحدهم مادحًا:
من سبأ الحاضرين مأرب إذ يبنون من دون سيله العرما
ويقول آخر:
الواردون وتيم في ذُرى سبأ قد عض أعناقهم جلد الجواميس
ووافقت الآثار التي وُجدت في سبأ، ما ذكره القرآن الكريم من أن السبئيين ضربوا بسهم وافر في التقدم الزراعي وفي هندسة الري، كما كانوا متقدمين في الهندسة المعمارية. ونجح هؤلاء القوم في بناء سد مأرب في مملكتهم، لحفظ مياه الأمطار التي كانت تجري في أراضيهم دون الإفادة منها، فأصبحوا يستغلونها في الري بفضل السد والقنوات التي ساعدتهم على توزيع تلك المياه. ويعتقد بأن هذا السد أقيم في نحو عام 650ق.م. وببناء السد أخذ ملوك الدولة ينظمون توزيع الأراضي والري وتطوير الزراعة، وكان من بين ما يزرعونه الحبوب والنخيل والعنب. وكان لهذه الزراعة فضل في توفير الغذاء لأصحاب القوافل وركبانها، وأصبحوا يجدون مايكفيهم من غذاء، وما يحتاجونه من مأوى، خصوصًا وقد كانت الحجارة والأخشاب متوفرة في تلك المملكة. وكانت هذه المملكة قادرة على تزويد القوافل بما تحتاج إليه وهي تقطع رحلات طويلة كانت تصل إلى نحو 1,500كم من جنوبي الجزيرة العربية إلى شمالها الغربي وصولاً إلى البتراء، ومنها إلى البحر المتوسط ومصر.
وقد خلَّفت مملكة سبأ حضارة، لها مكانتها من حيث البنيان، سواء في المعابد ذات الحجارة المصقولة المنحوتة، أو الهندسة المعمارية أو الزراعية. وكانت هذه الآثار، تدل على مدى ما وصلت إليه الحضارة العربية من تطور في جنوب شبه جزيرة العرب.
مملكة معين (500ق.م – 50م). اختلفت آراء الباحثين في الوقت الذي ظهرت فيه دولة معين. وكان بعض الباحثين، يرى أن ظهورها ربما كان بعد منتصف الألف الثاني قبل الميلاد أي بعد عام 1250ق.م. ولكن الدراسات التي أجراها الباحث ونيت أظهرت له بأن بداية مملكة معين لم تكن قبل القرن السادس قبل الميلاد، وأنها ربما استمرت حتى نحو عام 50م. وقد رأى بعض هؤلاء الباحثين، بأنه ليس هناك أي دليل على أي نشاط للمعينيين مع عالم البحر الأبيض المتوسط قبل الفترة الهيلينستية، أي قبل القرن الرابع قبل الميلاد.
وتقع معين شمالي مملكة سبأ في مفترق طرق القوافل القادمة من حضرموت شرقًا وسبأ جنوبًا، وتتجه منها القوافل البرية إلى الشمال. وكانت معين تعتمد على تجارة هذه القوافل، التي كانت تحمل اللبان والبخور والعطور والتوابل.
انتشرت تجارة المعينيين شيئًا فشيئًا، وخرجت من نطاق اليمن، وامتدت إلى أماكن أخرى، حيث وصلت إلى مصر وإلى حوض البحر الأبيض المتوسط. وكانت هذه التجارة تسير بالقوافل البرية، وكانت العاصمة قرناو من أهم مراكز تلك التجارة العالمية.
ومما جاء في المصادر التاريخية، أنه عُثر على نقش بالخط المعيني لتاجر يدعى زيد إيل بن زيد، وهو من أهالي مملكة معين، وكان في مصر أيام الملك بطليموُس الثاني الذي حكم مصر بين عامي 285 و246ق.م. وذُكِر أن هذا التاجر المعيني، أصبح كاهنًا في معبد مصري، ثم أخذ في إحضار بعض البخور واللبان من معين بسفينة كان يمتلكها. وقد ظهرت أهمية المعينيين بصفتهم تُجَّار عطور وبخور في هذه الفترة الهيلينستية.
وكما يبدو فقد كان هناك نوع من التنافس بين سبأ ومعين في النشاط التجاري. ونرى ذلك التنافس في نقش وجد في أحد جدران مدينة براقش المعينية، ويرجع تاريخ ذلك النقش إلى القرن الثالث أو الرابع قبل الميلاد. جاء في ذلك النقش أن عامي صادق وآخر كانا دليلين للقوافل المعينية، وأنهما خرجا في قافلة إلى مصر وسوريا وماوراء النهر في الوقت الذي كانت فيه آلهتهم عثتر وقبض وود ونكره تحميهم من هجمات سبأ وخولان. وكان هؤلاء يخططون للإيقاع بالقافلة وبممتلكات المعينيين وأنعامهم عندما يصلون إلى الطريق بين معين ورجما (نجران). وفي الوقت الذي كان فيه عثتر وقبض وود ونَكْرَه تحميهم وممتلكاتهم وجدوا أنفسهم في قلب مصر خلال الحرب التي كانت بين المادِّيين والمصريين. وقد ضمن عثتر وقبض السلم والتعويض للجانبين ولممتلكاتهم حتى رجوعهم إلى مدينة قرناو.
وانتهت المنافسة بين سبأ ومعين بانهيار معين في آخر الأمر، وذلك في منتصف القرن الأول الميلادي على أرجح الأقوال.
مملكة سبأ وذي ريدان (مملكة الحميريين) (115ق.م – 525م). رأى بعض الباحثين في تاريخ اليمن أنه عند حلول أواخر القرن الثاني قبل الميلاد، ظهر بعض التغير في لقب ملوك سبأ، وذلك منذ حوالي 115ق.م على اختلاف في هذا التاريخ. فقد وجد أن بعض الملوك كانوا يلقبون أنفسهم بملك سبأ وذي ريدان، مما يوحي بأن سبأ توسعت في حدودها. وعرف هذا العهد عند بعض المؤرخين باسم مملكة الحِميريين.
ووجد الباحثون أن هذا اللقب كان قد اتخذه بعض الملوك الذين كانوا في مأرب، كما كان بعض ملوك حمير الذين كانت عاصمتهم ظفار قد تلقب به. ولكن يبدو أنه في آخر الأمر، سيطر حكام ظفار على الملك الذي أصبحت تلك المدينة قاعدة له.
وبمرور السنين حدث تغيير آخر في لقب حكام هذه المملكة إذ إنه بحلول القرن الرابع الميلادي (أي بعد نحو عام 301م) جاء دور حكام تلقبوا بلقب ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت. وكان هذا آخر أدوار الحكم في سبأ ، والذي انتهى بظهور الإسلام. وكانت ظفار العاصمة الحميرية ومقر الملوك.
كان الحميريون يسمون حكام أقاليمهم أقيالاً، وكان كل قيل منهم يحكم منطقة بها بعض قبائلهم. وكانوا كسابقيهم يعبدون الأوثان، كما كان كبير آلهتهم يدعى أشتار وهو إله السماء أو الشمس عندهم، وكان معروفًا أيضًا لدى عرب الشمال الذين كانوا يعبدونه. واتسعت رقعة الحميريين في اليمن، حتى أصبحوا يحكمون سبأ أيضًا وريدان وحضرموت.
اهتم الحميريون بالملاحة البحرية أيضًا مثل المعينيين والسبئيين. ولكنهم كانوا يعاصرون الرومان الذين ما إن استولوا على مصر عام 31ق.م حتى أخذوا في إرسال سفنهم إلى جنوبي البحر الأحمر وعبور باب المندب وصولاً إلى الهند وشرقي إفريقيا، للحصول على السلع الضرورية، مثل التوابل والبخور والعاج وريش النعام والحرير والحيوانات المتوحشة.
وفي الوقت نفسه بدأ الحميريون الوثنيون يواجهون القوات النصرانية خصوصًا في أوائل القرن الرابع الميلادي، إذ ظهر الروم بسفنهم، والأكسوميون حلفاؤهم. وكانت النصرانية قد دخلت إلى أكسوم في نحو عام 320م حين اعتنق ملك أكسوم عيزانة ذلك الدين، ويبدو مما كتبه على مسلة له، أنه استطاع أن يتغلب على الحميريين، لأنه وصف نفسه بأنه ملك الأكسوميين والحميريين وريدان وسبأ وسليهن وسيامو والبجة والخاسا. بيد أنه لم تَطُل فترة حكم الأحباش على الأراضي اليمنية، لأنه وجدت في مخطوطات حمير سلسلة من أسماء ملوكهم بعد سنة 378 حتى عام 524م، حيث إنه في ذلك التاريخ احتل الأكسوميون جنوبي جزيرة العرب مرة أخرى، وبسطوا نفوذهم عليها، وضاع مُلك الحميريين. ويرجع السبب في هذا الهجوم إلى أن الحميريين كانوا يجدون خطرًا كبيرًا في انتشار النصرانية في اليمن، فقد كان نصارى نجران يجدون دعمًا من القسطنطينية في شكل منصرين، وتعضيدًا ماديًا من جانب السلطات الأكسومية النصرانية، وإزاء هذا الموقف قام الملك الحميري ذونواس بجمع النصارى النجرانيين في أحد الأخاديد، وأشعل فيهم النيران من كل جانب، وأحرقهم حتى قضى على الكثيرين منهم في نحو عام 523م. وقد جاء ذكر هذه الحادثة في القرآن الكريم في سورة البروج.
كانت جماعة من الحميريين تدين بالوثنية، وتدين جماعة باليهودية، واستشعرت كلتا الجماعتين خطورة على وجود دولتهما، بسبب التحالف النصراني بين أكسوم والروم. ونظرًا لذلك التعذيب الذي لحق بنصارى نجران، خرج الأحباش من بلادهم، وغزوا الحميريين في اليمن واستولوا على البلاد وبقوا فيها.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الأحباش أرادوا بعد ذلك أن يفرضوا سلطانهم الديني والسياسي على سائر أجزاء الجزيرة العربية، ولذلك عزموا على تحطيم الكعبة التي كان يقدسها كل العرب. وخرج جيش أبرهة ميممًا مكة حتى بلغ أطرافها، ولكن ما إن وصل إلى هناك حتى أرسل إليه الله سبحانه وتعالى طيرًا أبابيل ـ كما حكاه القرآن الكريم في سورة الفيل ـ فقضى على جيشه قضاء مبرمًا، وانتهت الحملة الحبشية بالفشل التام عام 570م.
أما أهل اليمن، فإنهم التفوا حول زعيمهم سيف بن ذي يزن، الذي اتصل بالفرس أعداء الروم في الشمال وحصل منهم على عون عسكري، فقدم بجيش فارسي استطاع أن يهزم به الأكسوميين.
تولى سيف بن ذي يزن الحكم على اليمن، ولكنه كان واقعًا تحت النفوذ الفارسي، وعندما قتل اندلعت الفتن في البلاد، وضعف النفوذ الفارسي فيها، وكان أن بزغت شمس الإسلام آنذاك، ودخل اليمن في الدين الحنيف، وبذلك انتهى كل نفوذ أجنبى على أراضي جنوبي الجزيرة العربية، وكان ذلك في عام 6 هـ الموافق عام 628م.
مملكة الأنباط (300 ق.م – 106م). الأنباط أو النبطيون قبائل بدوية كونت مملكة امتدت من غزة شمالاً إلى مدائن صالح جنوباً، واتخذت البتراء عاصمة لها. وقد بدأت مملكة الأنباط في القرن الرابع قبل الميلاد، وبلغت أوج مجدها في القرن الأول الميلادي حيث امتد نفوذها إلى دمشق. واكتسبت هذه المملكة أهميتها من وقوعها في طريق التجارة من الشمال والجنوب. ضعفت البتراء عندما اتجه الرومان إلى السفر بحرًا إلى الهند. وعندما رأى الرومان توسع الأنباط هاجم الامبراطور تراجان البتراء ودمرها عام 105م، وضم مملكة الأنباط إلى مملكته. انظر: البتراء.
مملكة الحيرة (300 – 628 م).نزحت جماعات كبيرة من قبيلتي تنوخ ولخم من اليمن في هجرة نحو بلاد مابين النهرين، وذلك في القرن الثالث الميلادي ووصلت في هجرتها تلك إلى نهر الفرات، وأقامت لها إمارة في مدينة الحيرة التي أضحت منذ ذلك التاريخ قبلة ملوكها.
كانت الحيرة تقع على أطراف دولة الفرس القديمة، التي انقسمت إلى عدة دويلات يحكمها ملوك الطوائف الذين كانوا من نسل قواد الإسكندر المقدوني، الذي فتح إمبراطورية فارس في القرن الرابع قبل الميلاد. ضعف ملوك الطوائف المقدونيون، وأخذت فارس تتوحد بقيادة زعميها أردشير بن بابك، الذي أسس حكم الأسرة الساسانية عام 226م.
أما أول ملوك الحيرة فقد كان، كما ذكر مؤرخو العرب، جذيمة الأبرش التنوخي، فلما مات، تولى الملك بعده ابن أخته عمرو بن عدي بن نصر اللخمي اليمني. وقد عرفت هذه المملكة في كتب تاريخ العرب وآدابهم بمملكة الحيرة ومملكة اللخميين ومملكة المناذرة وأبناء نصر.
كانت الحيرة تقع في مركز جغرافي مهم بين أراضي العراق وأبناء صحراء العرب، لذلك أفاد من موقعها الفرس، لأنها كانت بمثابة الدرع الواقية أمام غزوات الأعراب المفاجئة، كما كانت نصيرًا ضد الروم في حروبهما المتصلة. وكانت تجد دعمًا واعترافًا من جانب الفرس. ولكن موقعها ذاك جعلها تشترك في كل الحروب التي دارت بين الفرس والرومان بعد ذلك في محاولة للسيطرة على أراضي الهلال الخصيب.
اشتركت مملكة الحيرة في الحروب التي دارت على مدى قرن من الزمان بين الفرس والروم، وهي الفترة بين عامي 528 و 628م. ودارت رحى حرب مريرة بينها وبين ملوك الغساسنة، سقط من جرائها زعماء من كلا الجانبين، وسُجلت كثير من أحداثها في الشعر العربي.
كان ملوك الحيرة وأهلها من الوثنيين، إلا أن النصرانية كانت تنتشر في الأراضي الواقعة تحت سلطانهم. وقد قُتل ملكهم النعمان بن المنذر، لأنه رفض الانصياع إلى كسرى واتباع دينه المجوسي. وكان في الحيرة رهبان من كلا المذهبين: مذهب النساطرة، ومذهب اليعاقبة. وقد وصلت أولى دعوات التنصير إلى الحيرة نحو عام 410م. حيث جاء إلى المدينة منصِّر موفد من القسطنطينية. وبقدوم النساطرة واليعاقبة في القرن السادس الميلادي تضاعفت نشاطات حركة التنصير.
وكان المنذر بن امرئ القيس بن ماء السماء أول ملك لخمي يعتنق النصرانية، حسب ماجاء في بعض التواريخ العربية، وذلك عندما رأى وفاء أحد نصارى العرب لعهد قطعه على نفسه للملك. فأعجب الملك الحيري بهذا الدين الذي يدعو إلى الوفاء فأعلن تنصره. وكان حكم الملك المنذر بين عامي 514 و 563م.
تولى عمرو بن هند ملك الحيرة في الفترة مابين 563 – 578م، ودخل في أخريات أيامه في نزاع شخصي مع الشاعر العربي عمرو بن كلثوم الذي جرد سيفه، وقتل عمْرًا كما ذكرت المصادر العربية، وخلد تلك الحادثة في معلقته الشهيرة.
اشترك المناذرة في الحرب التي دارت بين الفرس والروم عام 613 – 614م، واشترك مع الفرس أهل القدس ودمشق، وحملوا فيمن حملوا أسرى من أمراء الغساسنة، ورجعوا بهم إلى الحيرة، وقد انتشوا بالنصر، كما انتشى الفرس. بيد أن قيصر الروم هرقل سرعان ما أعد العدة لحرب ثانية، واستطاع أن يهزم الفرس، ويقضي على المناذرة، ويمحو ما لحق إمبراطوريته من هزيمة سابقة، وذلك في عام 623م.
وبعد حوالي تسع سنين من ذلك، أي عام 12هـ، دخل سيف الله المسلول خالد بن الوليد مدينة الحيرة بجموع المسلمين، وقبل أهلها أن يدفعوا الجزية، فتُركوا وشأنهم، فدخلوا في الإسلام، وأصبحت الحيرة ومن فيها من عرب جزءًا من الأراضي الإسلامية منذ ذلك التاريخ.
الغساسنة (300 – 628م). رحل الغساسنة من اليمن شمالاً إلى منطقة تهامة، ومن هناك شدوا الرحال مرة أخرى شمالاً حتى وصلوا إلى بلاد الشام، حيث نزلوا فيها وأسسوا لهم عاصمة سموها بصرى، وكانت تسمى أحيانًا جلق. وكان استقرارهم في الشام في القرن الثالث قبل الميلاد، ووجدوا هناك خلفاء الإسكندر الأكبر، فأضحوا بجوارهم في إمارة خاضعة لهم. وبحكم وجودهم بالقرب من تلك المناطق الحضرية، فإنهم قد عاشوا هم أنفسهم تلك العيشة الحضرية، وأصبحوا يمثلون قوة عربية حضرية، تمنع غزوات القبائل العربية البدوية التي كانت منتشرة في حدود دولة خلفاء الإسكندر. ولما استولى الرومان على سوريا وفلسطين، ودالت دولة خلفاء الإسكندر، أصبح الغساسنة خاضعين لهم، كما كانوا خاضعين لمن قبلهم.
شعر الغساسنة بوطأة المسؤولية الملقاة عليهم عندما بدأ الملك أردشير بن بابك مؤسس الأسرة الساسانية الفارسية في توسيع رقعة بلاده، ليضم إليها أراضي أخرى من أراضي الهلال الخصيب وصولاً إلى البحر الأبيض المتوسط غربًا، رغبة في السيطرة على طرق التجارة بين آسيا وأوروبا. وكان موقف الغساسنة دقيقًا من الناحية الحربية، إذ كانوا دائمًا في مواجهة الهجوم الفارسي اللخمي.
كان حكم الغساسنة قد امتد في مقاطعتي حوران والبلقاء في الشام. وكان ملكهم الحارث بن جبلة هو أول حاكم عينه إمبراطور الروم جستينيان وأعطاه رتبة فيلارك بطريق، وهي من أرفع الرتب في الإمبراطورية. وقد امتد حكم جستينيان من عام 527-565م. وكان الحارث نصرانيًا، كما كان يعد من حماة كنيسة اليعاقبة، وكان في حرب دائمة مع ملك الحيرة الملك المنذر الثالث، حتى انتصر عليه انتصارًا ساحقًا في يونيو عام 554م في موقعة قنسرين التي يعتقد أنها هي التي عناها عرب الجاهلية بقولهم “مايوم حليمة بسر”.
وفي عام 563م خرج الحارث من عاصمته بصرى إلى القسطنطينية، لمقابلة الإمبراطور للتفاهم حول المساعدات التي يجب أن تعطى له للاحتفاظ بولاء العرب له، وعدم إعطائهم الفرصة للانضمام إلى المناذرة. غير أن الإمبراطور لم يوافق على الدعم المالي الذي طُلب منه، وساءت العلاقات بين الحارث والإمبراطور البيزنطي، ومات الحارث في عام 569م.
زادت حدة الصراع بين المناذرة والغساسنة في أوائل القرن السابع الميلادي، بسبب تزايد قوة الفرس الذين أخذوا في الاستعداد لزحزحة الروم عن الشام، وبالفعل أعد الفرس جيوشهم ومعهم المناذرة، وقاموا بهجوم عنيف على الروم ومعهم الغساسنة عام 613-614م. وكان النبي ³ يدعو الناس في مكة في تلك الآونة للإسلام. واستطاع الفرس، ومعهم المناذرة التغلب على الروم والغساسنة، ودخلوا دمشق والقدس. وأخذوا بعض الآثار النصرانية من هناك، منها صليبهم المقدس. وفي هذه المعركة نزلت بعض آيات من القرآن الكريم في سورة الروم التي يقول الله تعالى في مطلعها: ﴿ آلم ¦ غُلبت الروم ¦ في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون ¦ في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون ¦ بنصر الله ينصر الله من يشاء وهو العزيز الرحيم ¦ وعْدَ الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون﴾ الروم: 1-6.
ولم تنقض بضع سنوات حتى استطاع هرقل إمبراطور الروم جمع جيوشه والخروج إلى بلاد الفرس، وإلحاق الهزيمة بهم واسترداد ما أخذوه من القدس. وهكذا صدق الله وعده.
كانت هذه الحروب المستمرة وبالاً على كل من الغساسنة والمناذرة، حيث أضعفت أمرهم. وكان جبلة بن الأيهم قد تولى الزعامة في بصرى. وفي هذه الآونة كان الإسلام ينتشر في كلِّ من مكة المكرمة، والمدينة المنورة.
وفي سنة 13هـ، 634م أرسل الخليفة أبوبكر الصديق خالدًا من العراق إلى الشام، واجتمعت جموع المسلمين وقوادهم، بقيادة خالد استعدادًا لملاقاة جيوش الروم في واقعة اليرموك التي انتهت بهزيمة إمبراطورية الروم، ومنذ ذلك التاريخ بدأت كثير من القبائل العربية تنحاز إلى العرب المسلمين، وسرعان ما استرد العرب بلادهم الشامية، وهي سوريا ولبنان والأردن وفلسطين. وكان ذلك آخر ما كان من الغساسنة الذين أضعفهم الروم والحروب المستمرة، فلم يعد لهم ذكر سوى في الأدب العربي وقصائد حسان ابن ثابت.
أسئلة

فيدل أليهاندرو كاستر

فيدل أليهاندرو كاسترو (13 أغسطس 1926) - رئيس كوبا منذ العام 1959عندما أطاح بحكومة "فولجنسيو باتيستا" وحوّل بلاده إلى النظام الشيوعي، لتصبح كوبا أول بلد يعتنق الشيوعية في العالم الغربي.

بداية حياته

ترعرع في كنف والديه المهاجرين من إسبانيا والذين يعدون من المزارعين الاثرياء. تلقى تعليمه في المدرسة التحضيرية، وفيعام1945، التحق بجامعة هافانا حيث درس القانون وتخرج منها عام 1950. ثم عمل كمحامي في مكتب محاماة صغير وكان لديه طموح في الوصول إلى البرلمان الكوبي إلا أن الانقلاب الذي قاده فولغينسيو باتيستا عمل على إلغاء الانتخابات البرلمانية المزمع عقدها. وكردة فعل احتجاجية، شكّل كاسترو قوّة قتالية وهاجم إحدى الثكنات العسكرية وأسفر هذا الهجوم عن سقوط 80 من أتباعه وإلقاء القبض على كاسترو. حكمت المحكمة على كاسترو بالسجن 15 عاماً وأطلق سراحه في عفو عام في مايو 1955، اختفى بعدها في المنفى بين المكسيك و الولايات المتحدة.


فيدل كاسترو

و على متن قارب شراعي، أبحر كاسترو ورفاقه من المكسيك إلى كوبا وسُميت زمرته بحركة ال 26 يوليو، وأعرب كاسترو عن تبنيه لفكر الرئيس الأمريكي توماس جيفيرسون و الرئيس أبراهام لينكن فيما يتعلق بنظام العمل ورأس المال و رفضه لتأميم أي من الصناعات المحلية. ويجادل كل من خصومه وأنصاره أن أفكار كاسترو المعلنه قبل حصوله على السلطة لا تمت بصلة بالواقع العملي بعد توليه مهام الرئاسة.


تحرك كاسترو عسكرياً مع حفنة من الرجال في 2 ديسمبر 1956 و استطاع 12 من مجموع الـ 80 رجل الانسحاب إلى الجبال، وعمل على ترتيب صفوفه وشن حرب عصابات من الجبال على الحكومة الكوبية. وبتأييد شعبي، وانضمام رجال القوات المسلحة الكوبية إلى صفوفه، استطاع كاسترو أن يشكل ضغطاً على حكومة هافانا مما اضطر رئيس الحكومة و رئيس الجمهورية إلى الهرب من العاصمة في 1 يناير 1959 واستحواذ كاسترو وأعوانه على العاصمة هافانا.


علاقته بالدين

يعتبر كاسترو نفسه ملحداً ولم يمارس الطقوس الدينية المسيحية منذ نعومة أظافره، وقد أقصته البابوية في الفاتيكان عن المذهبالكاثوليكي في 3 يناير 1962 لارتداد كاسترو عن الكاثوليكية. وقد تحسنت علاقه كاسترو بالبابوية في مطلع التسعينيات من القرن العشرين عندما أعطى شيئاً من الحرية للممارسات الدينية في كوبا، بل ولم يمانع من انضمام الكاثوليك إلى الحزب الكوبي الشيوعي.


سياسته الخارجية

سارعت الولايات المتحدة بالاعتراف بالحكومة الكوبية الجديدة وكان كاسترو رئيساً للحكومة آنذاك. وسرعان ما بدأت العلاقات الامريكية الكوبية بالتدهور عندما قامت كوبا بتأميم الشركات الأمريكية، و تحديداً، شركة "الفواكه المتحدة". و في ابريل من 1959، زار الرئيس كاسترو الولايات المتحدة والتقى مع نائب الرئيسريتشارد نيكسون، وتذرّع الرئيس الأمريكي لعدم استطاعته اللقاء مع كاسترو لارتباطه بلعبة الغولف وقد طلب الرئيس الأمريكي من نائبه التحقق من انتماء كاسترو السياسي ومدى ميوله لجانب المعسكر الشرقي، وخلص نائب الرئيس نيكسون إلى أن كاسترو "شخص بسيط و ليس بالضرورة يميل إلى الشيوعية". وفيفبراير عام 1960، اشترت كوبا النفط من الاتحاد السوفييتي ورفضت الولايات المتحدة المالكة لمصافي تكرير النفط في كوبا التعامل مع النفط السوفييتي، فقام كاسترو على تأميم المصافي الامريكية مما جعل العلاقات الامريكية الكوبية في أسوأ حال. ونتيجة القطيعة الأمريكية، اتجه كاسترو صوب الاتحاد السوفييتي وقام على التوقيع على شتّى أنواع المعاهدات مع الاتحاد السوفييتي، وبدأت المساعدات المالية واللوجستية السوفييتية تنهال على كوبا.

أزمة الصواريخ

استناداً على مذكرات الرئيس السوفييتي خوروشوف، فقد رأى الاتحاد السوفييتي أن يقوم على نشر صواريخ بالستية لتحول دون محاولة الولايات المتحدة من غزو الجزيرة. وفي 15 اكتوبر 1962،اكتشفت طائرات التجسس الامريكية منصات الصواريخ السوفييتية في كوبا ورأت تهديداً مباشرا للولايات المتحدة نتيجة المسافة القصيرة التي تفصل بين كوبا والولايات المتحدة (90 ميل).


و قامت البحرية الامريكية بتشكيل خط بحري يعمل على تفتيش السفن المتجه إلى كوبا. و في 27 أكتوبر 1962، بعث الرئيس الكوبي كاسترو برسالة خطية للرئيس السوفييتي يحثه فيها على شنّ هجوم نووي على الولايات المتحدة ولكن الاتحاد السوفييتي لم يستجب لهذا الطلب. ورضخ الاتحاد السوفييتي لإزالة الصواريخ الكوبية شريطة أن تتعهد الولايات المتحدة بعدم غزو كوبا والتخلص من الصواريخ البالستية الأمريكية في تركيا. و باستتباب الأمن وزوال الخطر، اتسمت العلاقة بين الولايات المتحدة و كوبا بالعدائية، واستمرت الولايات المتحدة بدعمها لمحاولات اغتيال كاسترو.


الاستِعْمارُ



الاستِعْمارُ إخضاع جماعة من الناس لحكم أجنبيّ،ويُسمَّى سكان البلاد المستَعْمَرين، وتُسمَّى الأراضي الواقعة تحت الاحتلال البلاد المُستعمَرة. ومعظم المستعمَرات مفصولةٌ عن الدولة المستعمِرة (بكسر الميم الثانية) ببحارٍ ومحيطات. وغالبًا ما ترسل الدولة الأجنبية سكانًا للعيش في المستعمرات وحكمها واستغلالها مصادر للثروة. وهذا ما يجعل حكّام المستعمرات منفصلين عِرقيًا عن المحكومين.


وللاستعمار تاريخٌ طويلٌ يعود إلى العصور القديمة. فالرومان، مثلاً، حكموا عددًا من المستعمرات في أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا. وبدءًا من القرن الخامس عشر الميلادي، بدأت الدول الأوروبية في بناء إمبراطوريات استعماريةٍ ضخمة في كلٍّ من إفريقيا وآسيا وأمريكا الشمالية، وكذلك في أمريكا الجنوبية. ومن أهم القوى الاستعمارية الأوروبية، فرنسا، بريطانيا، هولندا، البرتغال، أسبانيا. وبحلول سبعينيات القرن العشرين، تَفكَّكت معظم هذه الإمبراطوريات.

وتُعزى أهمية المستعمَرات للعوائد الاقتصادية التي تُدِرُّها. فالدول تحصل على سلع ٍ نادرةٍ مثل الماس والتوابل من هذه المستعمرات. كما تسعى الدول إلى توسيع صناعاتها وتجارتها مع المُستعمرات لأنَّ هذه المُستعمرات قد تكون: 1- مصدرًا للمواد الخام 2- سوقًا للسلع 3- مصدراً لسلع قابلة للتصدير لبلدان أخرى 4- مناطق استثمارية. وبالإضافة إلى ذلك، فإنَّ الدول تستخدم المستعمرات أيضًا لزيادة مكانتها وسمعتها بين الأمم، كما تستفيد من مواقعها الحيوية لأغراضٍ عسكرية، أو تستفيد منها لنشر دينها ومذهبها.

ويعتقد بعض الناس أن الاستعمار لم يَمُت، فهم يُعرِّفون الاستعمار بأنه أيُّ شكلٍ من أشكال الظلم الاقتصادي والسياسي والاجتماعي من قبل جماعة من الناس لجماعة أخرى، وذلك على أساسٍ عرقي. ويستخدم آخرون مصطلح الاستعمار الجديد لتعريف السيطرة غير المباشرة للدول الغنية على الدول النامية. وبحسب تفسير هذه المدرسة، فإن الدول النامية تعتمد على الدول الغنية في مجال استثمار رأس المال، مع أن هذا الاعتماد يدفع الدول الغنية إلى الاستفادة من الدول النامية.

تاريخ الاستعمار

الاستعمار القديم. تُعدّ الإمبراطورية الرومانية أكبر دولة استعماريةٍ في التاريخ القديم، فقد بدأت روما توسُّعَهَا فيما وراء البحار نحو عام 264ق.م. وفي أوج مجدها، كانت الإمبراطورية الرومانية تمتد من شمالي بريطانيا إلى البحر الأحمر والخليج العربيّ. وفي عام 476م، سقطت تلك الإمبراطورية.

بدايات الاستعمار الأوروبي. بدأت البرتغال وأسبانيا في القرن الخامس عشر الميلادي بإرسال مستكشفين للبحث عن طرق بحرية جديدة إلى الهند والشرق الأقصى، حيث كان المسلمون يهيمنون على الطرق البرية ويسيطرون على التجارة بين آسيا وأوروبا. وكان الأوروبيون يطمحون إلى السيطرة على تلك التجارة، فقد نجحت البرتغال في السيطرة على البرازيل، وأنشأت مراكز تجاريةً في كل من غربي إفريقيا والهند وجنوب شرقي آسيا.كما نجحت أسبانيا في السيطرة على أجزاء مما يعرف اليوم بالولايات المتحدة، واحتلت معظم أجزاء أمريكا اللاتينية.

وفي القرن السابع عشر الميلادي، انتزع الهولنديون والبريطانيون التجارة الآسيوية من البرتغاليين، وذلك بعد أن نجحوا في احتلال جزر الهند الشرقية الهولندية (إندونيسيا) وأصبح للإنجليز نفوذٌ قويُّ في الهند. وتمكَّن الهولنديون والبريطانيون والفرنسيون من احتلال بعض المناطق في أمريكا اللاتينية.

وبالإضافة إلى ذلك، احتل عددٌ من المهاجرين البريطانيين والفرنسيين بعض المناطق في كندا. كما أنَّ الهولنديين والبريطانيين والفرنسيين ادَّعوا ملكية بعض أجزاء من الولايات المتحدة. وفي نهاية المطاف، تمكن الإنجليز من إنشاء ثلاث عشرة مستعمرة في تلك البلاد. ودخل البريطانيون والفرنسيون في صراع ٍ على أمريكا الشمالية سُمّي حروب الهنود والفرنسيين الأربع، واستمر ذلك الصراع من عام 1689م حتى 1763م. وفي آخر تلك الحروب، انتصرت بريطانيا ونجحت في احتلال معظم الممتلكات الفرنسية في أمريكا الشمالية.

الاستعمار الحديث. نجحت المستعمرات الثلاث عشرة في الحصول على استقلالها من بريطانيا في الثورة الأمريكية (1775 – 1783م). وحصلت معظم المستعمرات في أمريكا اللاتينية على استقلالها في القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر. ولم يتطوَّر الاستعمار الأوروبي في بداية القرن التاسع عشر مع أنَّ بريطانيا ضَمَّت عددًا من المستعمرات في أستراليا، وقد كانت نيوساوث ويلز أول مستعمرة أسترالية تم تأسيسها في القرن الثامن عشر. وكان معظم المستوطنين الأوائل من السجناء الذين أُبعدوا إلى أستراليا عقابًا لهم. وقد أوقف إرسال السجناء إلى تلك المناطق في منتصف القرن التاسع عشر. وبحلول ذلك التاريخ، أُنشئت مستعمراتٌ جديدة في كوينزلاند وفان ديمنزلاند (تسمانيا حالياً)، وغربي أستراليا وجنوبيها، وفكتوريا. أما نيوزيلندا، فإنها لم تصبح مستعمرة بريطانية إلا عام 1840م. وبحلول عام 1850م، كان هناك الكثيرون ممن يعتقدون أن المستعمرات لا تساوي تكاليف إنشائها وإدارتها. وساعدت الثورة الصناعية وظهور القومية الأوروبية، على تطور الاستعمار في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين في كلٍّ من إفريقيا وآسيا. ففي هاتين القارتين، سعت الدول الصناعية إلى الحصول على المواد الخام لمصانعها، والأسواق لمنتجاتها الصناعية، كما سعت إلى هاتين القارتين بوصفهما مناطق استثمار جديدة، وللبحث عن أقطار جديدة تقويها في منافستها للأقطار الأوروبية الأخرى.

واقتسم إفريقيا كلٌّ من بلجيكا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا والبرتغال وأسبانيا. ولم يبق من المناطق الإفريقية مستقلة إلا إثيوبيا وليبيريا. أما بريطانيا، فقد سيطرت بدورها على الهند وبورما وما يُعرف الآن بماليزيا. كما احتلت فرنسا الهند الصينية. وكانت الهند الصينية الفرنسية تضم كلاّ من كمبوتشيا (كمبوديا) ولاوس وفيتنام. وتوسَّع الهولنديون في الهند الصينية الشرقية. أما الولايات المتحدة، فقد احتلت الفلبين. وكان هناك تنافسٌ كبير بين فرنسا وألمانيا وبريطانيا وأسبانيا والولايات المتحدة للسيطرة على جزر المحيط الهادئ. وفي نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، أنشأت اليابان إمبراطوريةً ضمَّت كوريا وتايوان. وخلال الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945م)، وسَّعت اليابان إمبراطوريتها على حساب بعض المستعمرات الصغيرة التي كانت تسيطر عليها دول غربية. إلا أنَّ هذه الإمبراطورية سقطت بعد أن هُزمت اليابان عام 1945م. وتحولت هذه المناطق مرةً أخرى إلى مستعمرات غربية.

والواقع أنَّ هناك ثلاثة عوامل أسهمت في إنهاء عصر الاستعمار في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين؛ أولها أنَّ القوى الأوروبية قد أُضعفت في الحرب وبدأ عددٌ كبيرٌ من الناس يعارضون الاستعمار لأسباب أخلاقية،كما أنَّ الحركات القومية والمطالبة بحقِّ تقرير المصير قد زادت ازديادًا كبيرًا في مستعمرات إفريقيا وآسيا. وقد حصلت بعض هذه المستعمرات على استقلالها بشكل سلميّ، لكنَّ مستعمرات أخرى لم تحصل على استقلالها إلا عن طريق الحرب. وكانت البرتغال من أواخر الدول التي منحت مستعمراتها الاستقلال في منتصف السبعينيّات.

الاستعمار المعاصر. لا تزال كل من فرنسا وبريطانيا والبرتغال وأسبانيا تحتفظ ببعض مستعمراتها إلى اليوم، ولكنها لا تسميها مستعمرات. وعلى سبيل المثال، فإن بريطانيا تُسمي هذه المناطق البلاد التابعة. كما أنَّ الولايات المتحدة تحكم بعض المناطق البعيدة، مثل: ساموا الأمريكية وغوام وعددًا من الجزر في المحيط الهادئ، وكذلك بورتوريكو وفيرجين آيلاندز الأمريكية. كما لا تزال إسرائيل تلك الدول التي أقامتها الصهيونية مدعوية من القوى العالمية تحتل و تستعمر أرض فلسطين العربية منذ عام 1948م.

السياسات الاستعمارية

قام عددٌ من المُستعمرين بفرض أسلوب حياتهم على المستعمرات.، فقد كانوا يؤمنون بتدنّي مستوى ثقافة المناطق المُستعمَرة قياسًا إلى ثقافتهم. وحاول بعض هؤلاء الحكام أن يُغيّروا من ديانة المناطق التي يَستعمِرونها، كما عَمَدوا إلى جعل لغتهم الأجنبية اللغة الرسمية في تلك المستعمرات. وفي عدد من الحالات، حاول الحكام المستعمرون أن يحلوا ثقافتهم الخاصة محلَّ الثقافة المحلية. وساعد الحكام المستعمِرون في تطوير وتحديث المستعمرات عن طريق إنشاء خطوط السكك الحديدية والطرق البرية والمصانع، وكذلك عن طريق إنشاء المدارس والمستشفيات. لكنَّ القوى الاستعمارية كانت تحرص على تَبني سياسات اقتصادية وسياسية مفيدةٍ للاستعماريين أنفسهم.

السياسات الاقتصادية. عَمدت الدول الاستعمارية إلى الاستفادة من العوائد الاقتصادية للمستعمرات. وفي العصور القديمة، كانت هذه القوى تزيد من ثروتها عن طريق السُّخْرة (العمل بدون أجر)،كما فَُرضت الإتاوات على الشعوب المُستعمَرة بدعوى حماية هذه الشعوب من الدول الأخرى.

وفيما بين القرنين الخامس عشر والثامن عشر الميلاديين، ظهر نظام اقتصادي في أوروبا يُدعىالمركنتالية (أي النزعة التجارية). وفي ظلِّ هذا النظام، قامت القوى الأوروبية بتشكيل اقتصاد المناطق المستعمرة حسب حاجاتها التجارية. فعلى سبيل المثال، سنَّت بريطانيا عددًا من القوانين في القرن السابع عشر لتقوية سيطرتها على اقتصاد مستعمراتها الثلاث عشرة في أمريكا الشمالية. وقد كان بعض هذه القوانين يحصر التجارة بين المستعمرات البريطانية مع التجار البريطانيين فقط،كما كانت تشترط استخدام سفنٍ بريطانية فقط. أما القوانين الأخرى، فقد قلّصت من الصناعة في المستعمرات لأنَّ البريطانيين كانوا يريدون أن تعتمد المستعمرات على السلع المصنَّعة في بريطانيا. ولتشجيع الأمريكيين على تصدير السلع التي تحتاج إليها بريطانيا، عمد البريطانيون إلى إعطاء امتيازات تجارية لهذه الصادرات للتجار الأمريكيين. وقد أدارت القوى الأوروبية الأخرى تجارتها بالطريقة نفسها.

وكان الرِّق عُنصرًا مهمًا في السياسات الاقتصادية خلال عصر النزعة التجارية. في البداية، عَمَد الأوروبيون في أمريكا الجنوبية إلى تسخير الهنود الحمر للعمل في المزارع الضخمة المنتجة للقطن وغيره. وفي فترةٍ لاحقة، استوردوا الرقيق من إفريقيا.

وفي معظم دول أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية، أُلْغِيَ الرق في القرن التاسع عشر. كما أن البريطانيين وجدوا منذ منتصف القرن التاسع عشر أنَّ سياسات النزعة التجارية قد أضرَّت ببعض صناعاتهم. ولذلك، بدأت بريطانيا بتطبيق نظام التجارة الحرة بشكلٍ تدريجيّ نجح في النهاية في إنهاء السيطرة على تجارة المستعمرات. وبحلول عام 1870م، كانت معظم القوى الاستعمارية قد حذت حذو بريطانيا في إلغاء القوانين التي تَحدُّ من حرية التجارة. لكنَّ حرية التجارة لم توقف تطوُّر وازدهار الاستعمار في إفريقيا وآسيا. واستمرت المستعمرات في تقديم المواد الخام والأسواق للسلع الأوروبية. كما أن مديري المصارف الأوروبيين وصنَّاعهم حقَّقوا أرباحًا من استثماراتهم في المصانع والمناجم والمزارع والطرق الحديدية التي أنشأوها فيما أطلقوا عليه اسم المناطق المتخلِّفة للمحافظة على تلك الاستثمارات.

وبحلول القرن العشرين، كانت معظم القوى الأوروبية قد عادت مرةً أخرى إلى السيطرة على النظم الاقتصادية. إلا أنَّ أدوات السيطرة لم تكن كاملةً كما كانت إبَّان مرحلة النزعة التجارية. واليوم، ما زالت المستعمرات القديمة تحتفظ بِصِلاَت اقتصادية قوية مع الدول التي كانت تحكمها.

الإدارة السياسية. اختلفت طرق الحكم في المستعمرات بشكلٍ كبير، فبعض الدول الحاكمة عمدت إلى جعل المستعمرات مستقلةً بشكلٍ كامل على حين أنَّها أعطت دولاً أخرى شيئًا من الحكم الذاتيّ. وإذا نظرنا في سياسات بلجيكا وفرنسا وبريطانيا والبرتغال في كلٍّ من إفريقيا وآسيا، فإننا نجد تباينًا في نظم الحكم.

والواقع أنَّ أكبر مستعمرة بلجيكية في إفريقيا كانت في الكونغو البلجيكي (الكونغو الديمقراطية الآن). وقد حكمت بلجيكا الكونغو منذ عام 1885م، وكانت تديرها بشكلٍ مركزيّ من بروكسل (العاصمة البلجيكية). ولم يُشرك البلجيك شعب الكونغو في الحكم، ولذلك فقد حدثت عدة انتفاضات في الكونغو عام 1959م، مما اضطر بلجيكا إلى إعطائها الاستقلال عام 1960م.

وكانت سياسة الحكم الفرنسيّ للمستعمرات شبيهة بهذا، فقد كان يتم حكمها بشكلٍ مركزيّ من باريس، وكان المتوقَّع من علْيَة القوم في المستعمرات أن يُصبحوا كالفرنسيين ثقافيًّا واقتصاديّا. لكن الفرنسيين لم يكونوا يفكرون في إنهاء استعمارهم.

وفى عام 1946م، قامت ثورةٌ في الهند الصينية لم تنته إلا عام 1954م، حينما أُجْبِر الفرنسيون على الانسحاب بعد تعرضهم لخسائر جسيمة. وفي عام 1954م، قامت ثورة مماثلة في الجزائر، إحدى المستعمرات الفرنسية في إفريقيا، واستمر الجهاد والنضال هناك حتى عام 1962م حين انتزعت الجزائر استقلالها. وبعد ذلك، مَنحت فرنسا الاستقلال بشكل سلمي لمعظم مُستعمراتها.

أما بريطانيا، فقد حَكمت معظم مستعمراتها عن طريق الوكلاء البريطانيين (والوكيل حاكم عام يكون مقره عاصمة المستعمرة). وخلال استعمارها، أعطت بريطانيا لمُستعمرَاتها صلاحيات أوسع في المحاكم المحلية والمجالس التشريعية والخدمات العامة. فعلى سبيل المثال، أدَّى الهنود دورًا أكبر في إدارة شؤون بلادهم منذ عام 1918م وحتى عام 1939م (فترة ما بين الحربين العالميتين)، وحصلت الهند على استقلالها عام 1947م. وكان النجاح الذي حققته الهند، في التحوُّل من مستعمرة إلى دولةٍ مستقلة، مثالاً طبقته بريطانيا على مستعمراتٍ أخرى. أما البرتغال، فقد ادَّعت أنَّ مستعمراتها تتمتع بالحكم الذاتي، لكنهاكانت في الواقع، تَسُن التشريعات وتُسير الشؤون الإدارية لمعظم أقاليمها فيما وراء البحار بنفسها.

آثار الاستعمار

كانت للاستعمار آثارٌ سلبية وأخرى إيجابية على كلٍّ من المستعمَرات والدول المُستعْمرَة على حدٍّ سواءً. فقد حقق المستعمرون شيئًا من التنمية الاقتصادية للمستعمرات، فأدخلوا إليها طرق الزراعة والصناعة والعلوم الطبيَّة الغربية. وفي الوقت نفسه، قامت القوى الاستعمارية باستغلال مستعمراتها واستفادت منها اقتصاديًا. وفي عدد من المستعمرات، قامت القوى الحاكمة بتعطيل الهياكل الاقتصادية التقليدية وتغييرها. فقد ألزموا المستعمرات بإنتاج المواد الخام وشراء معظم السلع المصنَّعة من الدول الحاكمة. وبهذه الطريقة، حطَّم المستعمِرون الأنشطة التجارية والصناعية في المستعمرات. ومع أن هناك نواحي إيجابيةً لربط المستعمرات بالنظام الاقتصادي الدولي، فإن شعوب تلك المستعمَرات فقدت القدرة على التحكم في مقدَّراتها الاقتصادية. وبالإضافة إلى ذلك، قاد ارتفاع مستويات المعيشة والاستقرار السياسي إلى زيادة كبيرة في عدد السكان، الأمر الذي أدى إلى توقف التحسن في مستوى المعيشة وربما ساعد على تقهقره.

وقام النظام الاستعماريُّ بزيادة رقعة السيطرة السياسية للدول الأوروبية، ولكنه أدى في الوقت نفسه إلى تقليص عدد من الحروب المحلية ووحَّد تلك المناطق تحت مظلة دولة واحدة. وأقامت القوى الحاكمة عددًا من المدارس الحديثة، وأدخلت النظام الديمقراطيّ في الحكم. ولكن، في العديد من الحالات، لم يمنح المُستعمرون الشعوب التي استعمروها إلا قدرًا ضئيلاً من التدريب والإعداد من أجل الاستقلال، كما حاول عددٌ من الحكام فرض ثقافتهم على الشعوب المُستعمَرة. ويعتقد بعض المؤرخين أنَّ الثقافة الغربية قد أفادت الشعوب المستعمَرة بطرق شتَّى، لكن عددًا من الدول التي كانت مُستعمَرة ً حاولت، بعد الاستقلال، إعادة إحياء ثقافتها وهويتها.

ولقد أثرى النظام الاستعماري الدول الحاكمة، ولكنه ساعد أيضًا في ظهور الحركات القومية وظهور الشعور الوطني بين الشعوب المستعمَرة. وبذلك، كتب الاستعمار نهايته بنفسه.

ImageShack, free image hosting, free video hosting, image hosting, video hosting, photo image hosting site, video hosting site

وكان من النتائج غير المتوقعة لنهاية الاستعمار أن ظهرت حركات الهجرة لعدد كبير من سكان المستعمرات إلى البلدان التي كانت تَستعمرها. كما أنَّ أعدادًا كبيرةً من الهنود والباكستانيين ومواطني جزر الهند الغربية وجدوا طريقهم إلى بريطانيا. وهاجرت أعدادكبيرة من إندونيسيا وسُورِينَام إلى هولندا. وهناك أعدادٌ من المهاجرين من شمالي إفريقيا تعيش في فرنسا. ومن ناحية أخرى، أسهمت هذه الهجرات في خلق تباين عرقي وثقافي في البلدان الأوروبية التي كانت يومًا ما ذات طابع عرقي واحد.


الاثنين، ٢٧ سبتمبر ٢٠١٠

الهندوسية أكبر ديانات الهند الوثنية



الهندوسية أكبر ديانات الهند الوثنية، وإحدى الديانات القديمة في العالم. يمثل الهندوس نحو 83% من سكان الهند. وللهندوسية أثر في كل مظاهر الحياة الهندية. ويُطلق الهنود على ديانتهم اسم سانتاندرا؛ أي الديانة القديمة أو الأزلية.

معتقدات الهندوسية

اختلفت عقائد الهندوس خلال آلاف السنين، وظهر العديد من الفرق والطوائف، وطورت كل واحدة منها فلسفتها وشكل العبادة الخاصة بها.

الآلهة. الهندوسية ديانة تقوم على عبادة أكثر من إله. وقد اتخذ الهندوس من قوى الطبيعة كالمطر والشمس والعواصف والرعد والنار والماء آلهة، حسب زعمهم، وعدّ فلاسفتهم تلك الآلهة أشكالاً للإله الذي أطلقوا عليه براهما. وزعموا أن براهما في كل مكان، وأنه لاشكل له ولا ماهية ولاجنس، وهو فوق تصور الناس. ومن ثم اتخذت التماثيل لتعبر عنه ولتصور أوجهًا مختلفة له. ومن أهم مظاهر براهما: براهما خالق العالم، وفشنو الحافظ، وفيشنو المدمر والمنشئ. وهذه الآلهة الثلاثة يمثلها تمثال واحد يسمى تريمورتي. وهناك آلهة أخرى مهمة في زعم الهندوسية الحديثة مثل جانيتا الذي له رأس فيل، وهو مُزيل العقبات، وهانومان إله الإخلاص والقوة، وكارتيكيا أو سوبرامايا الذي يُعبد في جنوبي الهند. وكل هذه الآلهة مظاهر لبراهما. ويعتقد الهندوس أن فيشنو نزل إلى الأرض في تسع تجسُّدات وينتظرون حدوث التجسُّد العاشر. ومن أشهر هذه التجسدات تجسده في راما بطل القصة الملحمية رامايانا، وفي كريشنا الإله الفيلسوف وصاحب العمل الفلسفي بجافاد جيتا.

التناسخ. يعتقد الهندوس أن النفس لا تفنى بفناء البدن بل تنتقل إلى أبدان أخرى مما يُعد ميلادًا لها. وذلك أن كل عمل له تأثير في الكيفية التي تُولد بها النفس في التجسد الذي يلي. وتنتقل النفس في دورة من الميلاد وعودة الميلاد تسمى سَمْسَرا. وفي النهاية، يمكن أن تنال النفس مستوى من الوجود يسمى موكشا (الانعتاق)، حين تتحد النفس أو تقرب من الاتحاد مع الروح العُليا براهمان. ووفقًا لقدرات الشخص وميوله الطبيعية، تختلف الطرق التي يتبعها لتحقيق هذا الهدف.

فهناك طريق المعرفة جنانا، الذي يتضمن دراسة عميقة للفيدا والأبانيشاد تحت إرشاد معلم خبير، إذ إنهم يعتقدون أن فهم الكتب المقدسة الهندوسية، يحرر الشخص، كما يزعمون، من الارتباط بالعالم المادي ويمكن النفس من الاقتراب من الروح العليا براهمان.

وهناك طريق اليوجا، أو النظام الذي يستلزم دراسة الفلسفة والتأمل وإجراء تمارين بدنية لتحقيق السيطرة على الجسم. ولابد أيضًا من مساعدة مرشد. وتربط اليوجا بين القوة الروحية للعقل والقوى المادية للجسم، لتحقيق الصحة وحياة طويلة وسلام داخلي. وتحرر اليوجا النفس من دورات الحياة المتعاقبة.

وهناك طريق الكَرْما الذي يتضمن قيام الشخص بتجرد بواجباته الدينية والاجتماعية كما يحددها نظام الطبقات والتقسيم الاجتماعي ودرجات الحياة وتقاليد الأسرة. وتتضمن الكرما كل الأنشطة البدنية ونتائج أعمال الشخص. وإذا توقع الشخص من عمله أهدافًا خاصة فلن يحدث تقدم للروح. ويعتقد الهندوس أن الأنشطة غير الأنانية هي الطريق الصحيح لاستخدام المواهب الإنسانية. وكل الأعمال التي تعمل لكونها واجبًا تفيد الفرد والمجتمع، وتقود النفس إلى الإله الهندوسي براهمان على حد زعمهم.

التفاني والامتناع عن إيذاء الكائن الحي. طريق التفاني هو أسهل طريق لدى كثير من الهندوس للوصول إلى الروح العليا براهما. ويركز سالكه على اختيار إله معين يقوم بعبادته وترديد اسمه وعمل الخير لأجله سعيًا إلى الفناء فيه.

أهيمسا. إذا أراد الهندوسي تطبيق هذه القيمة الأخلاقية العالية فعليه أن يمتنع عن التسبب في أي أذى مادي أو عقلي أو عاطفي أو أخلاقي لأي كائن حي. ويعتقد الهندوس أن الكائنات لها روح كما للإنسان، ومن ثم قدَّس الهندوس البقر والقردة وغيرها من الحيوانات. وتتميز البقرة بنوع خاص من التقديس. ودرجات الحياة عند الهندوسي المتفاني أربع، تشارك النساء في الثانية والثالثة منها. وكل درجة منها تقود إلى الأخرى. وهذه الدرجات هي: 1- درجة التلميذ 2- رب المنزل 3- الاعتزال 4- نُكران الذات. وهذه الأخيرة اختيارية ويصل إليها الرجال وحدهم، وبعض النساء الآن يسعين إلى الوصول إليها أيضًا.

ويسعى الهندوس عمومًا إلى تحقيق أهداف أربعة تكون نظام القيم عند كل فرد منهم، وهذه الأهداف هي:

1- الواجبات الدينية والاجتماعية، وهي أكثرها أهمية وحاكمة على الأهداف الثلاثة الأخرى. 2- كسب العيش بوسائل شريفة. 3- الاعتدال في التمتع بطيبات الحياة. 4- الموكشا، أي التوجه الروحي إلى الإله وتحقيق الخلاص من سلسلة التوالد.

المذاهب الهندوسية الفلسفية الستة. نشأت مذاهب كثيرة في الهندوسية وأهمها: 1- النيايا، وتتعلق بالمنطق ونظرية المعرفة. 2- الفايشاشيكا، وتهتم بدراسة طبيعة العالم. 3- الصمخيا، وتَستكشف نشأة الكون وتطوره. 4- اليوجا، مجموعة تمارين بدنية وعقلية، تهدف إلى تخليص الجسد حتى تستطيع الروح الاتحاد مع براهمان. 5- الميمامسا 6- الفيدتنا. وكلاهما (أي 5، 6) يشرحان الفيدا.

الهندوسية في الحياة اليومية

طبقات المجتمع. هناك نظام قديم في الهند يُسمَّى فارنا وبناءً عليه يُقسم المجتمع إلى: 1- الطبقة البيضاء وهي طبقة البرهميين وهم القساوسة والعلماء. 2- الطبقة الحمراء الكاشتريوهم الحكام والإداريون والجنود، 3- الطبقة الصفراء الفيزية وهم الفلاحون والمزارعون والتجار. 4- وأضيفت طبقة رابعة فيما بعد وهي الطبقة السوداء وتشمل السودرا، وهم العمال المهرة كالخزافين والنساجين وصانعي السلال والخدم. وأصبحت تلك الطبقات أكثر وضوحًا بظهور مجتمع أكثر تعقيدًا. كما ظهرت طبقة خامسة أدنى من السودريين، وهم يقومون بالخدمات الحقيرة، ويعاملهم البراهميون بقسوة ويتجنبون حتى لمسهم. ويُعرف هؤلاء بالمنبوذين. ورغم إلغاء هذه الطبقة قانونًا عام 1950م وإطلاق اسم أطفال الله عليهم، فإنهم يحبذون تسمية أنفسهم بالمنبوذين.

آداب الطعام في الهندوسية. للهندوس طقوس خاصة بالطعام؛ فهم يهتمون بطهارته ويشترطون أن يكون معدّ الطعام طاهرًا وملابسه نظيفة، ويستخدم يده اليمنى في إعداد الطعام وأكله. كما يشترطون أن يُقدّم كل نوع من الطعام في طبق خاص. ويعدون الطعام الذي يمسه أحد أفراد الطبقات الدنيا نجسًا. ويعدون اللحم والبيض والسمك والمشروبات الكحولية كلها نجسة. وهناك آداب أخرى غير ذلك.

العبادة عند الهندوس

للهندوس عبادات يومية يؤدونها لإله الأسرة في معبد المنزل. ويحتفلون بأعياد سنوية تخصَّص لآلهة مختلفة، ويشدون الرحال لمزارات بعيدة كُرست لفشنو وشيفا والإلهة شاكتي. ويمكن تقسيم الهندوس إلى ثلاث جماعات: من يعبدون شيفا، ومن يعبدون فشنا في تجسداته المختلفة، وأولئك الذين يعبدون شاكتي. وللهندوسية عدة فرق أو جماعات لكل منها شكل عبادة خاص. وهناك فرق تقدس معلمًا روحيًا (غورو) بالدرجة نفسها التي تقدس بها إلهًا. ولعبادتهم طرق مختلفة تتمثل في تقديم الماء إلى الشمس عند طلوعها والجلوس القرفصاء أمام صنم في معبد، وترديد اسم الإله، والطواف حول مزار إله في اتجاه عقارب الساعة، وغناء تراتيل في المعبد. وأكثر أشكال العبادة شيوعًا يُسمَّى بوجا حيث يقدم الناس الكُرْكُم الأحمر أو الأصفر والأرز ودهن الصندل والزهور والفاكهة والبخور للأصنام في المنزل أو المعبد. وتُقدَّم البوجا إلى آلهة الأسرة كل صباح بعد الحمّام. ويسترجع ما يقدم إلى الإله من طعام أو فاكهة مرة أخرى بعد مباركتها. وهذا يسمى براساد.

المزارات. للهندوس مزارات عديدة، في كل أنحاء الهند مكرَّسة لفشنو وشيفا أو الإلهة الأم. ومن أهم هذه المزارات فاراناسي على نهر الجانج.

طقوس الهندوسية. للهندوس طقوس وشعائر عديدة تمتد مع حياة الإنسان منذ أن يكون حَمْلاً حتى موته. فهناك ثلاثة طقوس تقدم أثناء فترة الحَمْل وستة طقوس بعد الميلاد. والطقس العاشر يُسمَّى أوبانيانا، ويكون حينما يقلد أحد أطفال الطبقات الثلاث العليا بالحبل المقدس رمزًا لبداية تعليمه الرسمي. وهناك طقسان يتبعان ذلك. والطقس الثالث عشر الزواج، وأهم شعائره الخطوات السبع التي يقوم بها الزوجان أمام النار المقدسة ـ عند الهندوس ـ عند الزواج. والطقس الرابع عشر رب المنزل، والخامس عشر التجول، والسادس عشر إحراق جثة الميت.

الكتب المقدسة عند الهندوس

للهندوسية عدة كتب تكون جميعها عقائدهم. ومن أهمها الفيدا، البوراناس، الرامايانا، المهابهاراتا، بجافاد جيتا.

الفيدا. تنقسم إلى أربعة أقسام: 1- ريج ـ فيدا، ومعناها الفيدا النارية وهي مجموعة من الأناشيد الدينية الهندوسية التي يتضرع بها الهندوس أمام آلهتهم. 2- ساما فيدا، وتعني الفيدا الشمسية، وتحتوي على مزامير دينية ومجموعة من العبادات والواجبات الدينية. 3- ياجورا ـ فيدا، وتعني الفيدا الهوائية، وهي مجموعة من التراتيل التي يُنشدها الكهنة عند إحراق جثث الموتى. 4- أثارفا ـ فيدا، وهي أناشيد تُتلى عند الزواج وتشمل بركات وتعويذات ورقى سحرية. ويحتوي كل كتاب منها على أربعة أجزاء: 1- السامهيتا، ويشتمل على أدعية وتراتيل. 2-البراهمانا، ويعالج مسائل العقائد والشعائر. 3- الأرانيكا، ويشتمل على فلسفة الفناء عند القديسين والرهبان. 4- الأبانيشاد، وهي أعمال فلسفية كتبت في صورة حوار.

البورانا. مأثورات شعبية هندوسية تشتمل على حكايات وخوارق وأساطير عن آلهة الهندوس وأبطالهم. كما تحكي معتقدات الهندوس عن بداية العالم، وكيفية نهاياته المؤقتة وتجدد ميلاده.

الرامايانا والمَهابْهاراتا. ملحمتان هنديتان، تحكي أولاهما قصة الأمير راما ومحاولاته إنقاذ زوجته، التي خطفها ملك الجن رافانا، والأخرى تحكي قصة صراع بين فرعين من الأسرة المالكة حول مقتل زوجة.

بجافاد جيتا. عمل فلسفي يناقش فيه الإله كريشنا والمحارب أرجونا معنى الوجود وطبيعته.

دارما شسترا. كتب في قوانين الهندوس وعاداتهم. وأهمها تلك التي كتبها مانو وياجنافالكيا وباراشارا ونارادا.

الأفكار الفلسفية. تقرر الفدانتا والباجافاد جيتا أن الروح قوة مقدسة في كل مخلوق، وتستمر في البقاء بعد فناء الجسد حيث تحل في جسد آخر. وتمر كل روح نتيجة لعملها بعدة تجارب قبل أن تنال الحرية (موكشا). وقد ذهب الفيلسوف شانكرا إلى أن الروح وبراهمان متطابقان، بينما يذهب رامانوجا إلى أن الروح لا تمتزج مع براهما عندما تتحرر من الجسد. وقرر مادهافا أن الروح وبراهمان منفصلان تمامًا. ويذهب فلاسفة الهند إلى أن هناك ثلاث صفات تجعل الروح مرتبطة بالعالم المادي: 1- باركريتي؛ أي أن المادة ضرورية لكل الكائنات، 2- قوناس؛ أي أن الصفات تنبني في ذاتية كل مخلوق. 3- مايا؛ التي تجعل من هذا العالم الفاني وهمًا وخداعًا، ومن ثم فإن الروح واقعة في شراك دورات الحياة المتعاقبة.

حركات الإصلاح الهندوسية

ظهرت عدة حركات إصلاحية خلال القرن التاسع عشر الميلادي نتيجة لاتصال الهند بالمسلمين أولاً ثم بعد ذلك بالغرب بدءًا بالقرن الخامس عشر الميلادي، ومن أهمها حركة رام موهان روي (1772- 1833م). ورام هذا وُلد في أسرة براهمية، ودرس القرآن والبوذية والعهد الجديد، وكره عبادة التماثيل وممارسة السوتية (إحراق الأرملة الهندوسية نفسها في محرقة زوجها علامة على إخلاصها له) حينما رأى أرملة أخيه تُحرق حية على محرقة زوجها. وقاتل من أجل إلغاء: الشرك وعبادة التماثيل ونظام الطبقات وزواج الأطفال وذبح الحيوان والسوتية.

وفي عام 1828م، أسَّس جمعية الإله براهمو ساماج من أجل إصلاح الديانة الهندوسية. وقد حاربت الجمعية التماثيل والصور والأصنام، وركزت على الصلوات والترانيم التي تؤكد وحدانية الإله. واستوحت الجمعية بعض أشكال العبادة من النصرانية.

وكان لجمعية رام موهان روي أثر كبير في إجازة القوانين الخاصة بالسوتية، وعدم شرعية الطبقات، وزواج الأرملة الهندوسية، وزواج الأطفال، وحق الملكية للنساء والمنبوذين، وذلك في الفترة ما بين 1829 – 1950م.

وفي عام 1875م، أسَّس دايناندا (1824 – 1883م) جمعية آريا ساماج، ذلك أنه حينما كان غلامًا رأى الفئران في إحدى الليالي، تتسلل إلى معبد شيفا وتأكل الطعام المقدَّم إليه، فبدأ يشك في مقدرة الإله. وتكونت عنده كراهية لعبادة الأوثان. وكون بعد دراسته للفيدا وتوسيع معارفه الدينية ومداركه الفلسفية جمعية آريا، وادعى أن الفيدا أزلية وأنها وحي من الإله.كما قبل معتقد الكَرْما والميلاد، ولكنه عارض عبادة التماثيل والشرك وذبح الحيوان والطبقية القائمة على الميلاد، والمنبوذين، شد الرحال للمزارات وشعيرة الحمّام. كما أدان زواج الأطفال وعزل النساء، وعارض زواج الأرامل. ويؤدي أتباع الجمعية عباداتهم يوم الأحد، ويقدمون القرابين للنار ويعلِّمون الفيدا. وليس لهم كهنة. وكل عضو منهم مطالب بالالتزام بالتقشف والولاء للإله.

وقد تطورت الهندوسية المعاصرة من عدة نواح؛ فللجمعية الآن حركة عالمية تُسمَّى هاري كريشنا، أو الحركة العالمية لضمير كريشنا، تقودها جماعات منتشرة في معظم أقطار العالم وخاصة في أمريكا وأوروبا. ولها أنصار عديدون في تلك الأقطار، كما أن هناك حركات عديدة مماثلة تركز على ضرورة الاهتمام بالعبادة من خلال بهاكتي (التفاني).