الثلاثاء، ٥ يناير ٢٠١٠

عائشة بنت أبو عبد الله محمد الثاني عشر التى اصبحت الاخت ايزابيلا وعار من الاندلس

Dr Usama Fouad Shaalan MD- PhD MiniEncyclopedia الموسوعه المصغره للدكتور أسامه فؤاد شعلان
تسلبم غرناطه












ابوعبدالله محمد الثانى عشر
أبوعبد الله محمد الثاني عشر (1460 - 1527) المعروف بإسم أبو عبد الله محمد الصغير هو آخر ملوك الأندلس المسلمين. وكان ملكاً على غرناطة (من بني نصر من ملوك الطوائف) واستسلم لفرديناند الثاني وإيزابيلا يوم 2 يناير 1492. وسماه الإسبان el chico (أي الفرخ) و Boabdil، بينما سماه أهل غرناطة الزغابي. وهو ابن مولاي أبو الحسن، الذي خلعه من الحكم وطرده من البلاد عام 1482، وذلك لرفض الوالد دفع الجزية لفرديناند كما كان يفعل ملوك غرناطة السابقين.
حاول غزو قشتالة عاصمة فرديناند فهُزم وأسر في لوسينا عام 1483، ولم يفك أسره حتى وافق على أن تصبح مملكة غرناطة تابعة لفرديناند وإيزابيلا ملوك قشتالة وأراجون. الأعوام التالية قضاها في الإقتال مع أبيه وعمه عبد الله الزغل.
في عام 1489 استدعاه فرديناند وإيزابيلا لتسليم غرناطة، ولدى رفضه أقاما حصارا على المدينة. وأخيراً في 2 يناير 1492 استسلمت المدينة.
رسالة خاصة بعث بها شاهد على الاستسلام إلى أسقف ليون، إسپانيا بعد ستة أيام من الحدث، تصف المشهد كالتالي:

سيف محمد الثاني عشر
تحت الرايات الملكية وصليب المسيح واضحاً للعين المجردة على الأسوار الحمر لقصر الحمراء: … تقدم السلطان المسلم على رأس ثمانين أو مائة من الفرسان في حلل قشيبة ليقبل يد سموه [فرديناند]. وحسب اتفاقية الاستسلام النهائية فسيرفض كلٌ من إيزابلا وفرديناند العرض [تقبيل الأيدي] ثم ينتقل مفتاح غرناطة إلى أيدي الاسبان بدون أن يقبل محمد الثاني عشر أيدي الملوك Los Royes، كما صار الزوج الملكي يـُعرف. فقد أصرت عائشة الغرناطية، شديدة العزة، أم محمد الثاني عشر على انقاذ ابنها من تلك الإهانة النهائية. استـُقبـِل السلطان المسلم بمحبة وحفاوة وهناك سلماه ابنه، الذي كان رهينة منذ الإمساك به، وبينما هم وقوف هناك، حضر نحو أربعمائة رهينة كانوا محبوسين، تحت الصليب بينما المسيرة الحزينة تنشد أنت الرب، الحمد لك Te Deum Laudamus، ووقتها ترجل سموه ليمجد الصليب وسط دموع وخشوع الحضور، وليس أقلهم الكاردينال سيد سانتياگو ودوق قادش وكل الكبراء والسادة والعامة الذين وقفوا هناك، ولم يكن هناك من لم يبك بغزارة وفرحة شاكراً الرب لما رأوه، فلم يتمالكوا حبس دموعهم؛ أما السلطان العربي والمسلمين الذين كانوا معه فلم يستطيعوا اخفاء الحزن والألم اللذين ألما بهم لما رأوه من فرحة المسيحيين، وبالقطع كان لحزنهم سبب أكبر ألا وهو خسارتهم، إذ أن غرناطة هي أروع وأعظم شيء في العالم …
كريستوفر كلومبس يبدو أنه كان بين الحضور؛ فهو يشير إلى الاستسلام في أولى صفحات مذكراته Diario de las Derrotas y Caminos:
بعد ان انتهى سموكم من حرب المسلمين الذين حكموا في اوروبا، وانتهيت من حرب المدينة العظيمة غرناطة، حيث في هذا العام [1492] في الثاني من يناير شاهدت [أنا] الرايات الملكية لسموكم مزروعة بقوة السلاح على أبراج الحمراء، حصن المدينة المذكورة، فقد شاهدت السلطان المسلم يخرج من بوابات تلك المدينة، ويقبل الأيدي الملكية لسموكم …
المنفى

خوذة محمد الثاني عشر
المكان الذي ألقى منه نظرته الأخيرة على غرناطة ما زال معروفاً بإسم زفرة العربي الأخيرة (el último suspiro del Moro) وبكى فقالت له أمه "ابك اليوم بكاء النساء على ملك لم تحفظه حفظ الرجال".
انتقل لفترة وجيزة إلى قصر له في البوجرّاس بالأندلس ثم رحل إلى المغرب الأقصى فقد نزل في مدينة غساسة الأثرية المتواجدة في إقليم الناظور ونهايته أتت حين تقاتل مع قريب له يحكم فاس، وقُتل في تلك المعركة عام 1527.
ابنته عائشة أخذها الاسبان وعمـًدوها وأصبح اسمها إيزابلا. احتفل الملك فرديناند بفتح غرناطة بأن أخذها ضمن جواريه، وأصبحت أماً لأحد أبنائه غير الشرعيين، ميگل فرنانديث، فارس غرناطة (1495-1575). لاحقاً، تخلص منها الملك وأصبحت راهبة بإسم الأخت إيزابلا من غرناطة.
كان من شروط الإستسلام أن يأمن الغرناطيون على أنفسهم وأموالهم ودينهم كمدخرين، ولكن ما أن استقر لهم الحكم بعد مرور 9 سنوات على سقوط غرناطة نكث فرديناند بالعهد وخير المسلمين إما إعتناق المسيحية وإما مغادرة اسبانيا، وكانت تلك هي نهاية الأندلس.
سقوط غرناطة

تم سقوط غرناطة في 2 ربيع الأول عام 897 هـ ما يوافق 2 يناير 1492 بتسليم الملك أبو عبد الله محمد الصغير إياها إلى الملك فرديناند الخامس بعد حصار خانق دام 9 أشهر.
دب الضعف في أوصال دولة الإسلام في الأندلس، وسرى الوهن في أطرافها، وراح العدو القشتالي يتربص بها، وينتظر تلك اللحظة التي ينقضّ فيها على الجسد الواهن، فيمزقه ويقضي عليه، لم تصرفه القرون الطوال عن تحقيق أمله الطامح إلى إزالة الوجود الإسلامي في الأندلس، فلم يكد ينتصف القرن السابع الهجري حتى كانت ولاية الأندلس الشرقية والوسطى في قبضة النصارى القشتاليين، وأصبحت حواضر الأندلس الكبرى أسيرة في قبضتهم؛ حيث سقطت قرطبة وبلنسية، وإشبيلية، وبطليوس، وهي حواضر كانت تموج علما وثقافة وحضارة.
ولم يبق من دولة الإسلام هناك سوى بضع ولايات صغيرة في الطرف الجنوبي من الأندلس، قامت فيها مملكة صغيرة عُرفت بمملكة غرناطة، شاءت الأقدار لها أن تحمل راية الإسلام أكثر من قرنين من الزمان، وأن تقيم حضارة زاهية وحياة ثقافية رائعة، حتى انقض عليها الملكان المسيحيان: "فرديناند الخامس" و"إيزابيلا"، وحاصرا بقواتهما غرناطة في 12 من جمادى الآخرة 896هـ= 30 أبريل 1491 حصارا شديدا، وأتلفا الزروع المحيطة بالمدينة، وقطعا أي اتصال لها بالخارج، ومنعا أي مدد يمكن أن يأتي لنجدتها من المغرب الأقصى؛ حتى تستسلم المدينة، ويسقط آخر معقل للإسلام في الأندلس.[1]
غرناطة تلفظ أنفاسها

أهالي غرناطة مروا بمعاناة قاسية خلال اعوام الحصار، وقامت القوات الاسبانية بتحطيم وحرق الحقول المجاورة للمدينة، ما تسبب في مجاعة رهيبة بين سكان غرناطة، ولهذا السبب اكلوا الخيول والكلاب والقطط.[1] لم تكن تملك غرناطة سلاحا أقوى من الشجاعة، ولا أمضى من الصبر في المواجهة والثبات عند اللقاء، فصمدت إلى حين، وظلت المدينة تعاني الحصار زهاء سبعة أشهر، وتغالب نكباته في صبر ويقين، وتواجه الجوع والبلاء بعزيمة لا تلين، وحاول الفرسان المسلمون أن يدفعوا هجمة النصارى الشرسة بكل ما يملكون خارج أسوار المدينة، لكن ذلك لم يغن من الأمر شيئا، فالأحوال تزداد سوءا، والمسلمون تتفاقم محنتهم، وانقطع الأمل في نجدتهم من بلاد المغرب.
في ظل هذه المحنة القاسية تداعت أصوات بعض القادة إلى ضرورة التسليم؛ حفاظا على الأرواح، وكان "أبو عبد الله محمد" سلطان غرناطة وبعض وزرائه يتزعمون هذه الدعوى، وضاع في زحام تلك الدعوة المتخاذلة كل صوت يستصرخ البطولة والفداء في النفوس، ويعظّم قيمة التضحية والكرامة في القلوب، فاتفق القائمون على غرناطة على اختيار الوزير "أبي القاسم عبد الملك" للقيام بمهمة التفاوض مع الملكين الكاثوليكيين.

أبو عبد الله محمد الصغير سلطان غرناطة
وليس ثمة شك في أن هذين الملكين كانا وراء سريان روح التخاذل وإشاعة اليأس في غرناطة، وتهيئة الأوضاع لقبول التسليم، واستخدما في ذلك كل وسائل الإغراء مع السلطان أبي عبد الله وبعض خاصته.
استمرت المفاوضات بضعة أسابيع، وانتهى الفريقان إلى وضع معاهدة للتسليم، وافق عليها الملكان في 21 من المحرم 897هـ= 25 نوفمبر 1491، وكانت المفاوضات تجري في سرية خشية ثورة أهالي غرناطة، وحتى تحقق غايتها المرجوة.
ويتعجب المرء حين يعلم أن أبا القاسم بن عبد الملك ومساعده في المفاوضات الوزير "يوسف بن كماشة" كان سلوكهما مريبا، يقدمان المنفعة الشخصية على الصالح العام، فقد كتبا إلى الملكين الكاثوليكيين خطابا يؤكدان فيه إخلاصهما وولاءهما واستعدادهما لخدمتهما حتى تتحقق رغباتهما.
وفي الوقت الذي كانت تجري فيه مفاوضات التسليم، عُقدت معاهدة سرية أخرى، مُنح فيها أبو عبد الله وأفراد أسرته ووزراؤه منحًا خاصة بين ضياع وأموال نقدية.
وما كادت تذاع أنباء الموافقة على تسليم غرناطة حتى عمّ الحزن ربوعها، واكتست الكآبة نفوس الناس، واشتعل الناس غضبا حين تسربت أنباء المعاهدة السرية، وما حققه السلطان وخاصته من مغانم ومكاسب رخيصة، فسرت بين الناس الدعوة إلى الدفاع عن المدينة، وخشي السلطان من تفاقم الأحوال وإفلات الأمر من بين يديه، فاتفق مع ملك قشتالة على تسليم المدينة قبل الموعد المحدد في 2 ربيع الأول 897هـ= 2 يناير 1492م.
تسليم المدينة
وفي هذا اليوم استعد الجيش القشتالي لدخول المدينة، وأطلقت المدافع في قصر الحمراء طلقاتها إيذانا بالاستعداد للتسليم، ودخلت القوات المسيحية، واتجهت توا إلى قصر الحمراء، وما إن دخلت القوات حتى رفعت فوق برج القصر الأعلى صليبا فضيًا كبيرًا، وهو الذي كان يحمله الملك "فرديناند" خلال المعارك مع غرناطة.. وأعلن المنادي بصوت قوي من فوق البرج أنّ غرناطة أصبحت تابعة للملكين الكاثوليكيين.
وباستيلاء القشتاليين على غرناطة طُويت آخر صفحة من تاريخ دولة المسلمين في الأندلس، وقُضي على الحضارة الأندلسية الباهرة وآدابها وعلومها وفنونها.
حضارة غرناطة

ساحة السباع بقصر الحمراء
قامت مملكة غرناطة في الفترة التي ظهرت فيها بالحفاظ على تراث الأندلس، وبإيواء الوافدين إليها من المدن الأخرى، وكان من بينهم العلماء والكتاب والشعراء، وبإثراء الحياة الفكرية بالمؤلفات الجيدة في مختلف العلوم والفنون.
ويأتي في مقدمة من أنجبتهم غرناطة: أبو عبد الله محمد بن جُزى الكاتب الشاعر، ت. 1356م، وابن خاتمة الشاعر المعروف المتوفي 1369م، ولسان الدين بن الخطيب المتوفي سنة 1375م وهو يعد من كبار الأعلام في الثقافة العربية، فهو أديب وطبيب وفيلسوف وشاعر ومؤرخ، من أشهر إنتاجه: الإحاطة في أخبار غرناطة، وكتاب الإشارة إلى أدب الوزارة، واللمحة البدرية في الدولة النصرية.
وأيضا: الوزير ابن زمرك المتوفى سنة 797هـ=1395م، تلميذ ابن الخطيب، وكان شاعرا جيدا، وابن الأزرق المتوفى سنة 895هـ=1490م وكان بارعا في النثر والنظم والتاريخ، وله كتاب قيم في الفكر السياسي بعنوان: بدائع الأندلس في طبائع الملك، والشريف العقيلي وزير السلطان أبي عبد الله محمد آخر ملوك الأندلس، وكان إمام عصره في النثر والنظم، ووُصف بأنه خاتمة أدباء الأندلس.
وكثر في غرناطة إنشاء المدارس ومعاهد العلم، وارتقت الصناعات والفنون، فازدهرت صناعة السفن والأنسجة والورق، والفخار والذهب، وصناعة الحلي، وتطورت صناعة الأسلحة، فظهرت المدافع والبنادق، ويحتفظ متحف مدريد الوطني بنماذج من البنادق التي استعملها المسلمون في دفاعهم عن غرناطة.
أجمل مدينة في العالم
كانت مدينة غرناطة في هذا العصر أجمل مدن العالم بشوارعها النظيفة وميادينها الرائعة وحدائقها الغنّاء، ومبانيها ومرافقها الجميلة، ولا تزال آثارها الباقية تشهد على ما بلغته المدينة من رقي ومدنية.
وقد اشتهرت مساجد غرناطة باستخدام الرخام، وتجميل صحونها بحدائق الفاكهة، وإقامة المآذن منفصلة عن المساجد، وتوجد الآن مئذنتان يرجع إنشاؤهما إلى هذه الفترة الأولى: مئذنة مسجد تحوّل إلى كنيسة، وهي المعروفة باسم كنيسة "سان خوان دي لوس ريس"، والأخرى ببلدة "رندة" التي تحول مسجدها إلى كنيسة باسم "سان سباستيان".
ويعد قصر الحمراء من أعظم الآثار الأندلسية الباقية، بما حواه من بدائع الصنع، والمهارة الفنية الراقية، بالإضافة إلى قصر جنة العريف، وهو يقع بالقرب من قصر الحمراء ويطلّ عليه، وكان يتخذه ملوك غرناطة متنزها للراحة والاستجمام.
انظر أيضاً
معاهدة غرناطة 1491
مرثية الأندلس
المصادر
المقري- نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب- تحقيق إحسان عباس- دار صادر- بيروت 1388هـ=1968م.
محمد عبد الله عنان- نهاية الأندلس وتاريخ العرب المتنصّرين- مكتبة الخانجي- القاهرة 1408هـ=1987م.
عبد الرحمن علي الحجي- التاريخ الأندلسي من الفتح الإسلامي حتى سقوط غرناطة- دار الاعتصام- القاهرة 1403هـ=1983م.
عبد الله جمال الدين- تاريخ المسلمين في الأندلس- شركة سفير- القاهرة 1996م.